صفحة:رحلة جرجي زيدان إلى أوربا.pdf/145

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
- ١١٥ -

حماره إلى العباسية ولا يلتفت إلى شقشقة المكاري في أثناء الطريق.

٢ - الكبرياء والأنانية

ومن الأخلاق المشهورة عن الإنكليز أنهم متكبرون يترفعون عن مخالطة سواهم من الأمم. وهي تهمه لا تخلو من الحقيقة. إن الإنكليزي معجب بنفسه يفتخر بدولته وأمته وينفرد عن سائر الأمم فلا يزاوجهم أو يختلط بهم إلا بما تقتضيه المصلحة التجارية أو السياسية. ولا عجب فإننا في عصر الأنجلوسكسون كما كان العرب في إبان دولتهم والرومان قبلهم. ولكل أمة عصر إذا تفوقت فيه على سواها توهمت امتيازها الفطري عليهم بالجبلة الأصلية - وهي طبعاً لا تنال ذلك التفوق إلا لمواهب فيها تمتاز بها عن سواها.

ومما يوجه إلى الإنكليز من الانتقاد أنهم أنانيون يحبون الاستئثار بالمنافع لأنفسهم وهو خلق فطري في الإنسان لا يختص بأمة دون أخرى لكنه يظهر في الإنكليزي لأنه لا يبالي أن يظهره ويتمسك به. ولا يهمه ما يسميه الآخرون أريحية أو نجدة ويعدونها من أسمى المناقب فهو لا يعرض نفسه للخسارة لمنفعة سواه كما يفعل الفرنساويون مثلاً أو كما يفعل العرب ويعدونه من مفاخرهم. ولذلك كان العرب أسرع اختلاطاً بالفرنساويين مما بالإنكليز.

ومن مقتضيات الجنوح إلى الحقائق أن الإنكليزي صريح في أقواله وأعماله لا يقول غير ما يعتقده ولو ساءك قوله. فيظهر ذلك