صفحة:دمعة وابتسامة (1914) - جبران خليل جبران.pdf/68

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
٥٠
الامس واليوم
 

أيام نسجتها الآلهة حتى أَبَتْ لوعته إلَّا الكلام فقال:

« كنت بالأمس أرعى الغنم بين تلك الروابي المخضرة وأفرح بالحياة وأنفخ في شبابتي معلنًا غبطتي . وها أنا اليوم أسير المطامع يقودني المال إلى المال، والمال إلى الانهماك، والانهماك إلى الشقاء . كنت كالعصفور مغردًا وكالفراش متنقلًا، ولم يكن النسيم أخفَّ وطأة على رؤُوس الأعشاب من خطوات أقدامي في تلك الحقول، وها أنا الآن سجين عادات الاجتماع : اتصَنَّعُ بملابس وعلى مائدتي وبكل أعمالي من أجل إرضاء البشر وشرائعهم، كنت أود لو أني خُلِقْتُ لأتمتع بمسرات الوجود، ولكني أراني اليوم متعبًا بحكم المال سبل الغم، قصرت كالناقة المثقلة بحمل من الذهب والذهب يميتها، أين السهول الواسعة؟ أين السواقي المترنمة؟ أين الهواء النقي؟ أين مجد الطبيعة؟ أين الوهيتي؟ قد ضيعت كل ذلك ولم يبقَ لي غير ذهب أحبه فيستهزئ بي، وعبيد كثرتهم فقلَّ