المرأة المصرية بعد الخمسين
أعظم ما بعث المؤلف على وضع هذا الكتاب هو الأثر المحزن الذي عاينه في كثير من موظفي الحكومة عند إحالتهم إلى المعاش في سن الستين . فإن الصدمة تبدو عنيفة في كثير منهم ، مع أنهم كانوا ينتظرونها. ولكن الإنتظار كان ذهنيا ، وممارسة الوظيفة كانت حسية. ولذلك كان الحس يتغلب على الذهن . فالموظف يحس عقب الإحالة أنه عقیم بشهادة الحكومة ، ثم هو يجد البرهان على عقمه ، وهو أنه لا يحسن عملا آخر . لأن الوظيفة كانت تستوعب كل اهتمامه النفسي ، أو بالأحرى كانت تمنعه من اهتمامات نفسية أخرى ، لأنها كانت تزوده بالكفاية الإقتصادية والإحترام الإجتماعي . وكان هو قانعا بكل ذلك. فما هو أن تذهب عنه الوظيفة حتى يحس أن الإحترام الإجتماعي الذي كان يستمتع به قد زال ، ولذلك يذبل ، ويتعفن ، لتعطله ، بل أحيانا يشغب كالأطفال لهذا التعطل نفسه ويشقى بنفسه كما يشقى به المحيطون به. وقد رسمنا في هذا الكتاب خططاً ومناهج لكي يتوقى بها المسن هذه الحال ، ولكى يستقبل هذه الدنيا بعد الستين والسبعين وهو حي يقظ مشغول النفس والذهن ،