الجهة الاجتماعية
آن؟ من ذا الذي يمكنه أن يتصور أن العوائد لا تتغري بعد أن التغيري والتبديل في كل ٍ يعلم أنها ثمرات من ثمرات عقل الإنسان؟ وأن عقل الإنسان يختلف باختلاف الأماكن والأزمان ،واملسلمون منتشرون في أطراف الأرض ،فهل هم أنفسهم محتدون في العادات وطرق املعاش؟ من ذا الذي يمكنه أن يد َّعي أن ما يستحسنه عقل السوداني يستحسنه عقل التركي أو الصيني أو الهندي؟ أو أن عادة من عادات البدو توافق أهل الحضر ،أو يزعم أن عوائد أمة من الأمم مهما كانت باقية جميعها على ما كانت من عهد نشأتها بدون تغيري؟ وعلى ذلك يرغب أن يكون بني عوائد السوداني والتركي ً مثلا من الاختلاف بقدر ما يوجد بني مرتبتهما في العقل ،وهو الأمر الذي لا ريبة فيه ،وعلى هذه النسبة يكون الفرق بني املصري والأوروباوي .ولا يمكن أن يتصو َّر أحد أن العادات التي هي عبارة عن طريق سلوك الإنسان في نفسه ومع عائلته ومواطنيه وأبناء جنسه ،تكون في أمة جاهلة أو متوحشة مثل ما تكون في أمة متمد ِّنة؛ لأن سلوك كل فرد منها إنما يكون على ما يناسب مداركه ودرجة تربيته؛ ولهذا الارتباط التام بيت عادات كل أمة ومنزلتها من املعارف الدينية واملدنية نرى أن سلطان العادة أنفذ حكمً ا فيها من كل سلطان ،وهي ً لصوقا بها وأبعدها عن التغيري ،ولا حول للأمة عن طاعتها إلا إذا تحولت أشد شئونها َّ نفوس الأمة وارتفعت أو انحط ْت عن درجتها في العقل؛ ولهذا نرى أنها تتغلب دائمً ا على غريها من العوامل واملؤثرات ،حتى على الشرائع. ويؤيد ذلك ما نشاهده كل يوم في بلادنا من القوانني واللوائح التي توضع لإصلاح حال الأمة ،تنقلب في الحال إلى آلة جديدة للفساد .وليس هذا بغريب؛ فقد تتغلب العادات على الدين نفسه فتفسده وتمسخه بحيث ينكره كل من عرفه ،وهذا هو الأصل فيما نشهده، ويؤيده الاختبار التاريخي من التلازم بني انحطاط املرأة وانحطاط الأمة وتوح ُّ شها ،وبني ارتقاء املرأة وتقد ُّم الأمة ومدني َّتها .فقد علمنا أن في ابتداء تكو ُّن الجمعيات الإنسانية كانت حالة املرأة لا تختلف عن حالة الرقيق في شيء ،وكانت واقعة عند الرومان واليونان ً مثلا تحت سلطة أبيها ،ثم زوجها ،ثم من بعده أكبر أولادها .وكان لرئيس العائلة عليها حق املِ ْلكية املطلقة ،فيتصرف فيها بالبيع والهبة واملوت ما يشاء ،ويرثها من بعده ورثته لِما عليها من الحقوق املخولة ملالكها .وكان من املباح عند العرب قبل الإسلام أن يخطب الآباء بناتهم ،وأن يتمتع الرجال بالنساء من غري قيد شرعي ولا عدد محدود ،ولا تزال هذه السلطة سائدة الآن عند قبائل أفريقيا وأمريكا املتوحشة .وبعض الأمم الآسيوية يعتقد أن املرأة ليس لها ُروح خالدة ،وأنها لا ينبغي أن تعيش بعد زوجها .ومنهم من يقدمها إلى ضيفه إكرامً ا له كما يقدم له أحسن متاع يمتلكه. 31