صفحة:حقوق النساء في الإسلام.pdf/15

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
الجهة الدينية

وأما القسم الثاني: فغاية ما ورد في كتب الفقه عنه حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم نهى فيه عن الخلوة مع الأجنبي، وهو: «لا يخلونَّ رجل بامرأة إلا مع ذي محرم.» قال ابن عابدين: الخلوة بالأجنبية حرام، إلا لملازمة مديونة هربت ودخلت خربة، أو كانت عجوزًا شوهاء، أو بحائل. وقيل: الخلوة بالأجنبية مكروهة كراهة تحريم، وعن أبي يوسف: ليست بتحريم.٦

وقال: «إن الخلوة المحرمة تنتفي بالحائل وبوجود مَحْرَمٍ أو امرأة ثقة قادرة. وهل تنتفي أيضًا بوجود رجل آخر؟ لم أره.»٧

ربما يقال إن ما فرضه الله على نساء نبيه يُستحب اتباعه لنساء المسلمين كافة. فنجيب: إن قوله تعالى: لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ يشير إلى عدم الرغبة في المساواة في هذا الحكم، وينبهنا إلى أن في عدم الحجاب حِكَمًا ينبغي لنا اعتبارها واحترامها، وليس من الصواب تعطيل تلك الحِكَم مرضاةً لاتباع الأسوة. وكما يحسن التوسُّع فيما فيه تيسير أو تخفيف كذلك لا يجعل الغلو فيما فيه تشديد وتضييق أو تعطيل لشيء من مصالح الحياة، وعلى هذا وردت آيات الكتاب المبين. قال تعالى: يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ، وقال تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ، وقال تعالى أيضًا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ، ولو كان اتباع الأُسْوَة مطلوبًا في مثل هذه الحالة لما رأينا أحد الخلفاء المشهورين بشدة التقوى والتمسُّك بالسُّنَّةِ يجري في عائلته على ما يخالف الحجاب، وأستدِل على ذلك بذكر الواقعة الآتية:

بعث سلمة بن قيس برجل من قومه يخبر عمر بن الخطاب رضي الله عنه بواقعة حربية، فلما وصل ذلك الرجل إلى بيت عمر قال: «فاستأذنت وسلَّمت، فأذن لي فدخلت عليه، فإذا هو جالس على مسح متكئ على وسادتين من أَدَمٍ محشوَّتين ليفًا، فنبذ إليَّ بإحداهما فجلست عليها، وإذا بهو في صُفَّةٍ فيها بيت عليه ستير فقال: «يا أم كلثوم، غداءنا.» فأخرجَتْ إليه خبزة بزيت في عرضها ملح لم يُدَق، فقال: «يا أم كلثوم، ألا تخرجين إلينا تأكلين معنا من هذا؟» قالت: «إني أسمع عندك حس رجل!» قال: «نعم، ولا أراه من أهل البلد.» قال: فذلك حين عرفت أنه لم يعرفني. قالت: لو أردتَ أن أخرج إلى الرجال لكسوتني


٦ صحيفة ٣٢٣، جزء خامس.

٧ صحيفة ٣٢٤، جزء خامس.

١٥