وثابر المسيحيون الأمميون على عادات الأمم التي انتموا إليهـا في ملابسهم ومآكلهم وأفراحهم وأحزانهم1 فدفنوا موتاهم في بعض أماكن من الغرب في الكتاكومات وفي الشرق فوق الأرض2. وزيَّن المصريون والفينيقيون واليونانيون والأتروسكيون والرومانيون مدافنهم ولا سيما الكتاكومات فزيَّن المسيحيون كتاكوماتهم. واستعانوا لهذه الغاية بالرسامين أنفسهم الذين تخصصوا في هذا النوع من الفن ومارسوه في تزيين مدافن الوثنيين. واتبع هؤلاء الرسامون التقاليد الفنية الهلينية فعمدوا إلى الخطوط الهندسية الأنيقة الظريفة وإلى الأواني والزهور والطيور. وخلدوا في بعض الأحيان مشاهد معينة من حياة الميت المدفون.
التصوير الديني: وطفحت قلوب المؤمنين في القرون الثلاثة الأولى بالرجاء وقرب اللقاء فنقروا في جدران الكتاكومات كنائس صغيرة وأضافوا إلى الرسوم التقليدية رسوماً دينية مسيحية. وضنوا بوقار السيد وجلاله وتوجسوا من الوثنيين واليهود خوفاً فاكتفوا بالرموز. واستوحوا مشاهدهم الدينية من أمثال السيد فجعلوه في رسومهم راعياً صالحاً لا يختلف في مظهره عن الإله اليوناني الروماني هرميس كريوفوروس Hermes Criophoros حامل الكبش. وأظهروه في بعض الأحيان بمظهر أورفيوس Orpheios المغني اليوناني الذي كان يزيح الصخور والجبال بعزفه «الذي نزل إلى الجحيم وصعد منها» وآثروا فيما يظهر الامرأة المصلية ذات العينين المتجهتين نحو العلا والذراعين المرتفعين الشاكرة الطالبة الرحمة. واستعان هؤلاء المسيحيون بالطاووس الوثني للتدليل على الخلود. وبالعنقاء phoinix للإشارة إلى القيامة وبالحمامة طير إلهة الحب للتذكير بالروح القدس أو بالنفس. ثم أدخلوا بعض الرموز إدخالاً منها الدرفيل الملفوف حول الخطاف المثلث وفيه إشارة ظاهرة إلى الصليب ومنها أيضاً حرف Tau اليوناني وفيه رمز إلى الفداء ومنها السمكة ولفظها اليوناني يجمع الحروف الأولى من كلمات الآية «يسوع المسيح ابن الله المخلص».
التعبد في الكتاكوم: وقال السيد: «تأتي ساعة حين يسمع الأموات صوت ابن الله والسامعون يحيون». وقال بولس أن ما يزرعه المؤمنون لا يحيا إلا إذا مات وإن ما يزرعونه هو حبة من الحنطة يؤتيها الله جسماً على ما يريد3. فاحترم المؤمنون موتاهم وقاموا بزيارة قبورهم وصلوا وتناولوا طعاماً. وعصفت بهم أنواء الاضطهاد من آن إلى آخر