صفحة:تربية سلامة موسى-1947.djvu/14

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

المقدمة

في التساؤل والاستطلاع . ونرفض التسليم بالقيم السابقة أو الطاعة للتقاليد الموروثة . ثم نتطلع إلى المستقبل ونحاول أن نخترع الأساليب الجديدة للعيش .

وقد قضيت عمري إلى الآن ، وهو يقارب الستين ، في بقعة مضطربة من هذا الكوكب ، هي مصر ، وعشت هذا العمر وأنا أرى انتقالها المتعثر من الشرق إلى الغرب أي من آسيا إلى أوربا . وعاينت مخاضها وهي تلد هذا المجتمع الجديد الذي لا يزال طفلا يحبو كما عاينت كفاحها للانجليز المستعمرين وللرجعيين المصريين . وكل هذا يستحق أن يروى وأن يقف عليه الجيل الجديد .

وأنا إذن في هذه السيرة لست مؤرخاً لنفسي فقط . إذ أنى حين أترجم بحياتي وأصف للقارئ كيف تكونت شخصیتی وكيف ربيت نفسي ، بل حين أعزو إلى نفسي بعض الفضل في تحطيم المعابر التي كانت تصل يومنا بأمسنا ، أي بالقرون المظلمة ، وتحاول ربط تاريخ الغد الحافل بالاقتحام والشجاعة والرؤيا بتاريخ مأساة الأمس وهو حالكة بالظلم والفاقة والجهل والجبن ، في كل ذلك إنما أروى تاريخ العصر الذي عشت فيه وتاريخ الجيل الذي كنت أحد أفراده

ولكنى ، مع إنى سأروى تاريخ مصر أو أشير إلى الأعلام البارزة فيه مدة حياتي ، فإني مع ذلك لن أكون الراوي الموضوعي . لأني في هذه السيرة ، سوف أنظر بعدستي الذهنية وأوثر الانفعال الذاتي على الحقيقة الموضوعية ، لأني أترجم بالسيرة قصداً أولا ، وأدون التاريخ عرضاً ثانياً .