صفحة:تاريخ الفلسفة اليونانية (1936) يوسف كرم.pdf/90

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
–٨٤–

الفصل الثاني

المعرفة

٣١– الجدل الصاعد

أ – لم يكن إيثارُ أفلاطونَ للحوارِ عبثًا أو إرضاءً لنزوعه الأول للقصص التمثيلي، ولكن معاصر السوفسطائيين وتلميذ سقراط تأثر بالجدل واعتقد مع أستاذه أن الحوار بمرحلتيه (٢٦–أ) هو الطريق الوحيد للبحث في الفلسفة، فاصطنع الجدل وتحدى السوفسطائيين؛ فنقل اللفظ من معنى المناقشة المموهة إلى معنى المناقشة المخلصة التي تولد العلم، وهي مناقشة بين اثنين أو أكثر أو مناقشة النفس لنفسها، بل ذهب إلى أبعد من هذا فأطلق اللفظ على العلم الأعلى الذي ليس بعده مناقشة، وحد الجدل بأنه المنهج الذي يرتفع العقل به من المحسوس إلى المعقول لا يستخدم شيئًا حسيًّا، بل ينتقل من معانٍ إلى معانٍ بواسطة معانٍ،1 ثم بأنه العلم الكلي بالمبادئ الأولى والأمور الدائمة يصل إليه العقل بعد العلوم الجزئية، فينزل منه إلى هذه العلوم يربطها بمبادئها، وإلى المحسوسات يفسرها، فالجدل منهج وعلم يجتاز جميع مراتب الوجود من أسفل إلى أعلى وبالعكس،2 ومن حيث هو علم فهو يقابل ما نسميه الآن نظرية المعرفة بمعنى واسع يشمل المنطق والميتافيزيقا جميعًا.

ب – وأفلاطون أول فيلسوف بحث مسألة المعرفة لذاتها، وأفاض فيها من جميع جهاتها، وجد نفسه بين رأيين متعارضين: رأي بروتاغوراس وأقراطيلوس


  1. الجمهورية ص٥١١ (ب).
  2. الجمهورية ص٥٣٣ (ج).