صفحة:تاريخ الآداب العربية في الربع الأول من القرن العشرين (1926) - لويس شيخو.pdf/95

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

معتدلة اللهجة متقنة للكتابة.

وكان أوَّل من استأنف العمل لخدمة العلوم والآداب أصحاب المطبعة الكاثوليكية التي كان الأتراك مع محالفيهم الألمان ضربوها ضربة كادت تكون قاضية عليها فنقلت أدواتها إلى دمشق ولبنان ونهبت حروفها ونقوشها وورقها وكتبها بل نزعت حجارة أرضها فقضي على أصحابها أن يصرفوا أشهرا طويلة ومبالغ وافرة ليتداركوا ذاك الخلل ويعودوا إلى نشر مطبوعاتهم المشهود لها بألسن الوطنيين والأجانب.

فهذه ثماني سنوات منذ من الله بالفرج على عباده وأنقذنا من تلك النكبة الهائلة التي حولت الأرض إلى منقع من الدم. فيحسن بنا أن نسرح النظر في أحوال آدابنا العربية لنرى ما أفضت إليه أمورها من ترق مرغوب أو تقهقر مرهوب لا سيما في الشرق الأدنى محور الشعوب الناطقة بالضاد.

وما لا ينكر أن هذه البلاد قد حصلت في هذه الحقبة الثالثة على حرية لم تعهدها سابقا في زمن الأتراك فان الدولة الإفرنسية والإنكليزية أطلقتا الحرية التامة للطباعة ولم تذخرا وسعا في تنشيط الآداب والعلوم لم تستثنيا من ذلك سوى بعض الكتابات السياسية المتطرفة دفعا لأضرارها. ولو لم تحصل عاصمتنا بيروت من فضل فرنسة على غير مكتبتها العمومية وهي أول مكتبة من جنسها لوجب علينا شكرها فماذا نتج لخدمة الآداب العربية من الفوائد بعد الحصول على هذه الحرية مع كثرة الكتبة المتخرجين في المدارس؟ فأين الجمعيات الأدبية الراقية؟ وأين الشركات المؤلفة لتنشيط الآداب ولطبع التآليف الممتازة ولمجازاة أصحابها؟ وأين المصنفات التي تباري المصنفات الأوربية صورة ومعنى لنرجع إليها في العلوم العصرية فتغنينا عن الالتجاء إلى اللغات الأجنبية؟

وكم نرى في المنشورات فصولا تندد بالأجانب ويتبجح أصحابها بالرقي الشرقي ونحن مدينون إلى الأجانب في سائر أمورنا من مشاريع عمومية وخصوصية وأهلية كلها يعود إنشاؤها إلى همتهم. وإن قصرنا النظر على لغتنا فإننا لا نرى فيها من الترقي ما كان من المزاولين لها المجتهدين في تعزيزها

وكان معظم ما يصرفه الكتبة من القوى في ذلك يبرز في المجلات والجرائد.