صفحة:تاريخ الآداب العربية في الربع الأول من القرن العشرين (1926) - لويس شيخو.pdf/47

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

الرافعي في عدد المقتطف الأخير الصادر في يناير 1926 (ص31) نشأ في أيامنا ما يسمونه (الشعر المنثور) وهي تسمية تدل على جهل واضعيها ومن يرضاها لنفسه؟ فليس يضيق النثر بالمعاني الشعرية ولا هو قد خلا منها في تاريخ الأدب. ولكن سر هذه التسمية إن الشعر العربي صناعة موسيقية دقيقة يظهر فيها الاختلال لأوهى علة ولأيسر سبب ولا يوفق إلى سبك المعاني فيها إلا من أمده الله بأصلح طبع وأسلم ذوق وأفصح بيان، فمن أجل ذلك لا يتحمل شيئا من سخف اللفظ أو فساد العبارة أو ضعف التأليف ... غير أن النثر يحتمل كل أسلوب وما من صورة فيه إلا ودونها صورة أن تنتهي إلى العمامي الساقط والسوقي البارد ومن شأنه أن ينبسط وينقبض على ما شئت منه، وما يتفق فيه من حسن الشعري فإنما هو كالذي يتفق في صوت المطرب حين يتكلم لا حين يتغنى فمن قال (الشعر المنثور) فأعلم أن معناه عجز الكتاب عن الشعر من ناحية وادعاؤه من ناحية أخرى.

وقد آثر البعض أن يدعوا هذه الطريقة الكتابية (بالأدب الجديد) فنقول أن هذه الجدة لا تزيده حسنا إلا إذا جمعت تلك الصفات التي يمتاز بها إنشاء الكتبة البلغاء الحنة السبك المتناسقة الألفاظ المنسجمة المعاني التي لا تتراكم فيها التشابيه على غير جدوى وتتكرر الألفاظ بلا معنى وعليه لم نستحب ما أختاره صاحب الأدب الجديد للآنسة مي في العيون.

(العيون) : تلك الأحداق القائمة في الوجوه كتعاويذ من حلك ولجين.

تلك المياه الجائلة بين الأشفار والأحداب كبحيرات تنطقن بالشواطئ وأشجار الحور.

العيون الرمادية بأحلامها. والعيون الزرقاء بتنوعها العيون العسلية بحلاوتها. والعيون البنية بجاذبيتها والعيون القاتمة بما يتناوبها من قوة وعذوبة جميع العيون: تلك التي تذكرت بصفاء السماء وتلك التي يركد فيها عمق اليوم (كذا) وتلك التي تريك مفاوز الصحراء وسرابها وتلك التي تعرج بخيالك من ملكوت أتيري كله بهاء وتلك التي تمر فيها سحائب مبرقة مهضبة.... الخ فإن كان هذا الأدب الجديد فنحن في غنى عنه. على أن للآنسة في كتابات كثيرة أفضل من هذا الشعر المنثور.