صفحة:بشير بين السلطان والعزيز، الجزء الثاني (الجامعة اللبنانية، الطبعة الثانية).pdf/53

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
١٦٧
الفصل الحادي عشر: نزب

القلق وأبدت الاهتمام اللازم بالأمر. وكان ديساج أخصائي الخارجية الفرنسية في أمور الشرق قد كتب في الثامن والعشرين من أيار سنة ١٨٣٩ إلى كوشله قنصل فرنسة العـام في الإسكندرية يؤكد وجوب الاستمساك بمبدأ سلامة الدولة العثمانية لدفع الخطر الروسي عن المضايق والخطر البريطاني عن مصر وبالتالي وجوب بقاء مصر جزءاً من الدولة العثمانيـة ووجوب اعتدال العزيز في مطالبه. وأبان ديساج في رسالته هذه أن فرنسه وبريطانية والنمسة تستهدف أن تجعل من حل المسألة المصرية الماثلة قاعدة أساسية لحل المسألة الشرقية بكاملها1. ومن هنا تدخل فرنسة المتفرد في شهر حزيران وإيفاد كل من الكابيتان ستولة والكابيتان كالبي إلى الآستانة والإسكندرية لتدارك الخطر ومن هنا أيضاً سكوت حكومتي بريطانية والنمسة عن هذا التدخل. ثم جاءت الكوارث تترى فقابلها الفيكونت بالمرستون بهدوء ورباطة جأش وقال إلى القائم بأعمال السفارة الفرنسية في لندن «ليس هنالك ما يدعو إلى تعديل الخطط المرسومة». لكنه خشي في الوقت نفسه أنه إذا سكت عن مطامع العزيز في بر الشام ووافق على بقاء هذا القطر في عهدته فإنه لدى وفاته ستتدخل فرنسة لإبقائه في قبضة إبراهيم من بعده ويكون بذلك قد مهد السبيل لتجزئة الإمبراطورية العثمانية2. ولمس الداهية النمساوي البرنس مترنيخ هذا الظن المتبادل بين لندن وباريز منذ اللحظة الأولى فنطق بما يلي: «هنا سر هذه المعضلة بريطانية ترغب في الحد من قوة الباشا وفرنسة ترمي إلى المحافظة على هذه القوة إن لم نقل إنماءها»3. وكان قد فهم القيصر الروسي كل الفهم وأدرك أنه مخلص في محافظته على سلامة الدولة العثمانية فصاغ مذكرته الشهيرة التي حازت القبول في جميع عواصم أوروبة وقضت بتدخل الدول مجتمعين لحل الأزمة الطارئة4.

وكان الباب العالي قد استرخى وقبل بالرضوخ لمطالب العزيز والوصول إلى تفاهم مباشر معه وأزمع على إيفاد مفيد بك إلى القاهرة في السابع والعشرين من تموز السنة نفسها للتأكيد بأن مهمة عاكف أفندي آغا انحصرت في إعلان الجلوس السلطاني وإن ما فاوض به عاكف أفندي لم يكن نهائياً البتة5. وفي صباح هذا اليوم نفسه وفي الساعة الخامسة


  1. تيير ومحمد علي لفرانسوا شازلرو: ص ١٥-۱۹
  2. إنكلترة والقرم للدكتور هارولد تمبرلي ص ١٠٦-۱۰۷
  3. المرجع نفسه ص ١٠٦
  4. تيير ومحمد علي: المؤلف نفسه ص ۲۱
  5. محمد علي باشا إلى أبراهيم باشا: المحفوظات الملكية المصرية ج ٤ ص ۱۷۸