صفحة:بشير بين السلطان والعزيز، الجزء الثاني (الجامعة اللبنانية، الطبعة الثانية).pdf/120

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
٢٣٤
بشير بين السلطان والعزيز

بك من عمري ونسيب بك أصغر مني. وكانت المدرسة في حارة المشايخ ببيت نجم جنبلاط في المحل الذي قتل فيه نعمان بك أولاد عمه فوق الميدان الشرقي. وكان الشيخ إبراهيم المذكور يعلمنا وكنا سبعة ما عدا البيكين الشيخ صالح والشيخ حسن أولاد الشيخ قاسم حصن الدين مستشار البيك والشيخ قاسم ابن الشيخ حسين شمس من غريفه صراف البيك ثم حسن ابن الماس من عبيد البيك وأسعد أبو صوان الذي كان والده ووالدته من خدم البيك وعلي حسن طليع ابن شيخ العقل من الجديدة. فكنا نجلس نحن الآخرون في الغرفة. فكل منا يسمع درسه بعد انتهاء البكوات. وكان يدرسنا في ديوان ابن الفارض غيباً بحيث كنت أقول القصيدة اليائية إلى آخرها غيباً وكذلك ألفية ابن مالك وقصيدة لامية العرب التي لم أزل حافظها للآن بعد طول هذه المدة فلا شك أن هذه الكتب العظيمة وخصوصاً الشعر كان يعلم العربية على حقها وحيث الشعر موزون فيلزم قابله أن يلفظ جميع حركاته فيقود على اللفظ الصحيح. وكذلك لسهولة حفظ الشعر تبقى القواعد المذكورة فيه مدة مديدة1.

وكان بعضهم لا يزال يدرس مستقلاً بذاتـه ومن هؤلاء الشيخ نصيف اليازجي والمعلم نقولا الترك والمعلم بطرس كرامة والدكتور مخائيل مشاقة وكان هذا أكثرهم موهبة وأطولهم صبراً وأوسعهم اطلاعاً. فإنه درس على والده القراءة والكتابة وأتقن بعض المهن. بيد أنه كان أكبر من أن يقف عند هذا الحد وقد ظهر فيه ميل فطري إلى درس الفلك والعلوم الطبيعية ولم يكن في بلدته دير القمر من يعرف من علم الحساب الضرب والقسمة. وكان يعلم أن اليهود يدركون الكسوف والخسوف فتردد على أحدهم ليأخذ عنه ذلك فلم يفلح لأن يهود دير القمر أنما عرفوا الكسوف والخسوف عن الروزنامات التي كانت ترد عليهم من أوروبة. وحصل له مثـل هذا عندما بعثه والده بمهمة إلى القس كيرلس الكاثوليكي إذ شاهد هذا يطالع كتاباً مخطوطاً وفيه أسماء الشمس والقمر متوالية فظن أنـه حظي بضالتة وسأل الراهب عما يقرأ فأجابه إنه مما لا تدركه عقول العامة. غير أن مخائيل ثابر فيما طلب وما زال حتى حصل على نسخة من هذا الكتاب. ولما طالعه رأى أن معارفه لم تزل كما هي. وفي السنة ١١٤ جاء من دمياط إلى دير القمر خاله بطرس عنحوري ومعه صندوق كامل من الكتب الخطية منها كتاب في علم الهيئة لديلاند الفرنساوي وآخر في تقويم الكواكب له أيضاً وغيره في علم الطبيعة لبنيامين فرانكلين الأميريكي ومنها أيضاً كتاب في تقويم الكسوفات لخاله بطرس. فطالها مخائيل وما فتئ حتى تمكن من تعيين خسوف


  1. مجمع المسرات له ص ۱۹-۲۱