ومن شاء رحم غير مختشٍ لوم لائم. وقد قلت بضاعة المعارف لرواج بضاعة السيوف والعصي»1.
وقبيل الفتح المصري تولى الحكم في دمشق والٍ جديد. وقد كان فيما مضى صدراً أعظم أعني محمد سليم باشا. وكان قد اشترك في القضاء على الإنكشارية في الآستانة وفي تنظيم عسكر جديد فلم يرق تعيينه للآغاوات. وما أن فرض ضريبة طفيفة وأجبر الأهالي على دفعها حتى نادى الجميع بالعصيان وكان قد أتى ببعض العساكر الجديدة فظن الإنكشاريون وغيرهم أنه سيقضي عليهم كما قضى على زملائهم في الآستانة. فتألبوا عليه وأخذوا يضربون الطبول ويطوفون في أنحاء المدينة. فدخل سليم القلعة مع فرقة من جنوده ولبث الباقون خارجها لقلة العلف فيها. واشتعلت الحرب بين الفريقين ففاز الأهالي على الوالي خارج القلعة وقتلوا أكثر رجاله والتجأ الباقون مع زعيمٍ لهم، قاضي قران، إلى أحد الجوامع القريبة من القلعة وحاصروا به. وأمر الوالي بضرب البلد بالمدافع من القلعة، ولكن الإنكشاريين والأهالي صمدوا في وجهه وأخربوا جانباً من سور القلعة، ولما نفذ ما عند الوالي من المؤونة اضطر إلى أكل الدواب فنفدت ولم ير الوالي نافذة للفرج. وكان زميله في صيدا يغـذي الإنكشاريين بدلاً من المحافظة على هيبة الحكم. ولم يكترث زميله الآخر في حلب بما جرى له فاضطر إلى التسليم وطلب التأمين فأمنوه فخرج من القلعة إلى بيت بالقرب منها. ثم هاج عليه الأهالي بتحريض من الإنكشاريين مدعين أنه عامل على مكيدة لهم. فدافع عن نفسه أشد دفاع وأخيراً نقب الإنكشاريون سقف البيت الذي كان فيه وألقوا عليـه النار فمات حرقاً وأخذوا جثته وعرضوها للناس فرجة2. ولعله من المفيد بهذه المناسبة أن نذكر أنه لم يسبق للدمشقيين أن دفعوا للدولة سوى مال الجمارك على الداخل إلى دمشق من خارج إیالتها. وكان للدولة على النصارى واليهود في دمشق مال الجزية ومال عنب الكنائس. أما المسلمون فإنهم لم يدفعوا شيئاً البتة من الضرائب.
وأدّت تعديات الإنكشارية وغيرهم من الجند في حلب إلى انقسامها إلى حزبين أيضاً حزب الإنكشاريين وحزب الأسياد، وجرى فيها مثل ما جرى في دمشق مما استلفت نظر
- ↑ الروضة الغناء في دمشق الفيحاء لنعمان القساطلي ص ۸٦-۸۷
- ↑ الروضة الغناء أيضاً ص ۸۷ – ۸۸. مذكرات تاريخية للخوري قسطنطين الباشا ص ٥ و٧ و۲۲ – ۳٥ و۳۸. الجواب على اقتراح الأحباب - مخطوط للدكتور مخائيل مشاقة ص ۲٥۲ – ۲٥۳ نسخة جامعة بيروت الأميركية. كتابنا مصطلح التاريخ ص ١٤٦ - ١٥٥. كتابنا المحفوظات الملكية المصرية ج ۲ ص ١٥ رقم ١١٣٥