صفحة:بشير بين السلطان والعزيز، الجزء الأول (الجامعة اللبنانية، الطبعة الثانية).pdf/106

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
١٠٠
بشير بين السلطان والعزيز

بحري بك ودخل القاعة قبل الباشا. وعندئذ وجه الباشا كلامه والناس وقوف إلى بحري بك مرة ثانية قائلاً: «بحري بك أوتوركز أفنديز» ومعناه إجلسوا يا أفندينا وبالجمع لزيادة التوقير، ثم التفت إلى الأعيان فقال: «قاضي أفندي أوتور – بالمفرد - مفتي أفنـدي أوتور نقيب أفندي أوتور وهكذا إلى النهاية. فاعتبر الأعيان وأظهروا بعد هذا ما كان يستحقه بحري بك وغيره من إكرام واحترام ولم يترددوا البتة. وسمح العزيز وابنه إبراهيم بترميم الكنائس والأديرة وبإنشاء الجديد منها وغضَّا الطرف عن ارتداد ثلاثة من الموارنة كانوا قد تقبلوا الإسلام فاستمالا قلوب «الرعايا» وخطا فصلاً جديداً في تاريخ حرية المعتقد في بر الشام. ولكنهما لم يسمحا بتنصر بعض الدروز خوفاً من إساءة الفهم واستفزاز الجمهور1. وعاقب محمود نامي بك جد الداماد أحمد نامي بك ومحافظ بيروت آنند بعض مسلمي بيروت لأنهم تفوهوا ببعض كلمات غير لائقة بحق النصارى2. ورأى العزيز أن يجند النصارى ليُبمد الدول الأوروبية عنهم وعن إثارة الفتن بواسطتهم وليزيل عداوة المسلمين ويوطد صداقتهم3.

ومن الوسائل التي تذرع بها العزيز لتوحيد القلوب أنه لم يغرق الشام بالموظفين المصريين ولم يرسل من وادي النيل إلا من استوجبت الضرورة إيفاده. ومن ذلك أن أمر محمد شريف بك الحكمدار أن يُسند متسلمية دمشق إلى أحد أعيان هذه البلدة أو إلى مصري «إذا تعذر وجود كفوء لها من الدمشقيين أنفسهم4» وقال أيضاً في كتاب أرسله إلى سليمان باشا أنه عيّن حراس الصحة في المراكب المسافرة إلى بر الشام من أبناء مصر لأنه لم «يجد من هو أهل لذلك من الشوام أنفسهم5». وخرج في الوقت نفسه من تقاليد الإدارة في مصر فوافق على ترقية البارزين من أولاد العرب حتى الرتبة يوزباشي. وذهب إبراهيم إلى أبعد من هذا فأكد لوالده أن نسبة المخلصين من العرب أعلى من نسبة غيرهم من زملائهم الأتراك واقترح ترقية بعض العرب إلى رتبة بكباشي6. ونوه بفضل العرب على المدنية وقال في ظروف خاصة أنه أتى مصر طفلاً وأن شمسها غيرت دمه فجرى عربياً7.

وفرق العزيز في سياسته الداخلية بين وطني آمن وبين أجنبي طامع فشمل الأول بعطفه


  1. المحفوظات كذلك ج ۳ ص ٤٤٤ و ۲۸٥ و۲۸۸ و۲۹٥ و۱۳۷
  2. المحفوظات أيضاً ج ٤ ص ٤١٥ - ٤١٦
  3. المحفوظات نفسها ج ٤ ص ٤٢٦
  4. المحفوظات أيضاً ج ۲ ص ۲۸۰
  5. المحفوظات ج ۳ ص ۱۳۳
  6. المحفوظات ج ۳ ص ٦۷ وج ٤ ص ٤٦٠
  7. کتابنا أسباب الحملة المصرية من ٩٤-٩٥