صفحة:القرن العشرون ما كان وما سيكون (1951) - العقاد.pdf/82

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

الجماعة الانسانية بما يمهده لها من حسنات العلم والصناعة . وأقرب هذه الحسنات الى التحقيق أن تتقارب الأمم وتتقـارب الطوائف والطبقات في المجتمع الواحـد . فان اشتباك العلاقات والمعاملات ، بين أمم العالم يسوقها الى التعاون باختيارها وعلى كره منها ، وانتشار الصناعة يؤدى الى توزيع الأعمال والأرزاق بين الطوائف والآحاد ، كما يؤدى الى توزيع الكفايات والمواهب ، فلا تتحكم طائفة واحدة في غيرها ولا تعجـز طائفة الطوائف عن صيانة حقوقها . ولا تنفصل هذه الحقوق كل الانفصال بين فريق وفريق من أبناء الأمة الواحدة ، ويشفع هذا التقدم في حق الفرد وحق الطائفة أن يتسع الفراغ للمطالب الكمالية – مطالب الذوق الجميل والفطنة المتفتحة والرياضة المقومة للأبدان والأذهان – فيتقدم الانسان في خلقه وأدبه ولا يقف به تقدم الصناعة عند تقدم الآلات والمصنوعات ، وبين الوعد والوعيد من طوالع القرن العشرين تسوغ لنا الموازنة على الغيب فلا تغلو في التفاؤل اذا رجحنا جانب الوعد على جانب الوعيد ، فانه جانب له أسبابه الملموسة ومقدماته الراجحة ، ودعائمه التي تستقر على الأرض ولا تطير الى أشباه السحاب من دعائم الطوبيات والأحلام .

فيما يلى من فصول هذا الكتاب تعقيب يضيف الى ما تقـدم من التمهيد ولا يخالفه في أساسه ولا في سياقه ، لأنه لا يفارق قواعد العلم التي تحراها الباحثون وأصحاب الآراء ، ولكنه يتحرى التفسير والأمل . حيث يتحرون الاحصاء والحذر ، وكلاهما جائز لنا – بل واجب علينا - اذا أردنا أن تأخذ من علم هذا القرن كل ما يعطيه . ليس العلم مجعولا للأخبار وحدها ، ثم ينقلب بعدها جهلا لا فائدة فيه ی VA