صفحة:القرن العشرون ما كان وما سيكون (1951) - العقاد.pdf/76

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

بها صلاح السياسة المتبعة في قيادة الشعوب وأن يلاحظها السياسي الحكيم في عمله فلا يضيع جهده عبثا ، لأنه بذلك دون سـواه يستقيم على جادة التوفيق . فما التدبير الذي نديره اذن لمستقبل النوع الانساني ? أخشى أن يسفر الجواب عن قليل ، وذلك لسبب جد بسيط وهو قلة اكتراث الناس لما سوف يجرى في المستقبل البعيد ، ، ومعظمهم انما يكترث للغد الذي يمس أبناءهم وحفدتهم ويلوح له ما وراء ذلك كأنه شيء بعيد من الواقع ، وقد ينظر المفكرون الى المستقبل البعيد ويرون في الوقت نفسه أن الشكوك والريب أكبر من أن تتضح خلالها خطة مقررة . ولنضرب لذلك مثلا نفاد الوقود في الأزمنة المقبلة . فإنني أعلم أن أبنـائي لا يصادفون منه أزمة ذات بال ، وقد أعلم أن الجيل الخامس عشر بعد أبنائي لن يجدوا عندهم فحوما على الاطلاق . أتراني أكف عن أفاد الفحم في الليالي الباردة خوفا من اليوم الذي يبحث فيه أبناء الجيل الرابع عشر من نسلى عن الفحم فلا يجدونه ? ان هذه الأمور تلوح لنا في ابتعادها من الواقع المحسوس بالمكان الذي يجردها من الوزن والخطر. وان الحياة لعلى خطر التقلب في كل حين ، ومن العسير أن نتيقن من البقاء ولو الى عشر سنوات ، فلا جرم لا نرى أحدا يبالى جد المبالاة ما سيكون بعد قرن من الزمان ، وما من خطب من خطوب الدنيا يشغل الانسان أمدا أطول ذاك من « بيد أن المستقبل البعيد قد يعمل له الآن ما لم تجر العادة بعمله قبل الآن . ومن ذاك أن مساعي الاصلاح كانت فيما مضى تنحصر في تحسين أحوال الانسان ولا تعنى كثيرا بتحسين طبيعته . فما شور الا أن تسدل الأحوال حتى تذهب المساعي الى ضياع . وانما الأمل الوحيد أن تنصب ۷۲