صفحة:القرن العشرون ما كان وما سيكون (1951) - العقاد.pdf/113

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

المناطق التي تباع فيها ، والتنازع بينها على السيادة العالمية للاستثار بتلك الأسواق والمناطق والاستعداد لذلك التنازع بما يستلزمه من سلاح ومكيدة وما يقتضيه من اثارة الفتن وشن الغارات واشعال نيران الحروب ، فأصبحت كلمة « الصناعة الكبرى » عنوانا لجميع هذه الخطط والمطامع ولكل ما يتصل بها من مرافق المال ومساعي السياسة وبواعث الأخلاق والعادات كان من ونظر المفكرون الى « الصناعة الكبرى » في ابان نشأتها وامتدادها نظرتين متعارضتين : فمن كان من بناتها ومؤسسيها والمقيدين بنظامها فقد حسبها من ضرورات التقدم التي تقترن فيها النعمة بالنقمة ويحتمل فيها الضرر الكبير في سبيل المنفعة التي لاغنى عنها ، ومن المفكرين خلوا من مطالبها وأغراضها بعيدا من قيودها وشباكها فهي عنده محنة من محن الزمن الأخير تربى سيئاتها على حسناتها وتغيب منافعها في غياهب آثامها وجرائرها ، ووصفها بعضهم بالصناعة الجهنمية وخيل اليه أن « المكنة الضخمة » انما هي « الجقر نوت » الساحقة يركبها إله المال بدلا من إلهها القديم « فشنو » ويجتاح بها كل ما قابله في طريقه ليستوى عليها معبودا بين قرابته وضحاياه . و تقابل في رأى المفكرين المنكرين عالم الصناعة وعالم الطبيعة ، أو تقابلت عندهم الحياة المصطنعة الملفقة والحياة الفطرية السليمة التي بدا لهم أنها الحياة المثلى وأنها نقيض تلك الحياة المختلفة التي تمسخ النفوس وتفسد ما بين الانسان والانسان من روابط العطف ووشائج الرحم والولاء وعلى أثر الهجمة الأولى من هجمات هذا « الجقر نوت » الحديث سرت في العالم دعوة خفيفة ، أو رفيعة ، كادت تغطى شيئا فشيئا على ۱۰۹