صفحة:القرن العشرون ما كان وما سيكون (1951) - العقاد.pdf/112

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

من من لوازم الرق والعبودية أو لوازم الضعة والهوان ، فمن عمل الآلة لنفسه أو عمل بها لغيره فهما عند الأقدمين في المهانة سواء . وجاء أرسطو فقسم النوع الانساني الى طبقتين : طبقة حرة ذات ارادة ، وطبقة مستعبدة لا حرية لها ولا ارادة ، وجعل هذه الطبقة في حكم الآلات ، لأنها وسيلة لخدمة المسخرين لها بغير اختيارها . ولما ظهرت آلات البخار والكهرباء وشاعت المكنات الكبرى التي يديرها المئات العمال والصناع لم يرتفع شأن العامل والصانع في نظر المحدثين عما كان عليه في نظر الأقدمين ، بل هبط كثيرا في القرن الأول . نشأة الصناعة الكبرى ، لأن الصناع الأولين كانوا ينفردون بأعمالهم أحيانا ويتصرفون بادارة آلاتهم وأدواتهم ويحتاجون الى الذكاء والحيلة في اتقان مصنوعاتهم ، ويفوقون غيرهم ممن لا يحذقون الصناعة حسن الفهم والملاحظة ، فلما نشأن المكنات الكبرى وتشابهت أعمال الصناع استغنى الصانع عن الفهم والملاحظة وكاد أن يعتمد على يديه أو على عضلات بدنه في أداء مهمته المتكررة المتشابهة بغير تنويع أو تفكير ، وصح فيه أنه أصبح في حكم الآلة التي يديرها ، بل تطورت صناعة المكنات شيئا فشيئا حتى حلت فيها المفاتيح والأزرار محـل الأيدي والعضلات

۱۰۸ . . ولم يمض غير قليل على انتشار الصناعات التي تدار بالبخـار والكهرباء حتى انطوت كلها في عنوان واحد يحتوى الآلات في الطوائها ويحتوى معها أصحاب المصانع وأصحاب أموالها وجمهرة العاملين فيها من العاملين بأفكارهم والعاملين بأيديهم ، بل يمتد حتى يحتوى سياسة الدول التي اتسعت فيها ميادين الصناعة الحديثة ودفعتها الى التوسع في غزو البلدان وفتح الأسواق واحتكار موارد الخامات المصنوعة وحصر