صفحة:الأسلوب العلمي والتأريخ.pdf/6

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
٦٨
أسد رستم

في الأمر: فإذا نجح المؤرخ في فهم ظاهر النص توصل إلى إدراك المعنى الحقيقي.

وقد يلمس المؤرخ غموضاً أو نقصاً أو تناقضاً في المعنى، إذا هو استمسك بظاهر النص. فقد يكون في الكلام كناية، أو مجاز، أو استعارة، أو تشبيه، أو تلميح، أو تعريض، وما إلى ذلك. قال ابن عبد ربه في عقده1: «وقد كنَّى الله تعالى في كتابه عن الجماع بالملامسة وعن الحدث بالغائط … وقال تعالى: ﴿وَٱضْمُمْ يَدَكَ إِلَىٰ جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوٓءٍ. فكنى عن البرص. ودخل الربيع بن زياد على النعمان بن المنذر وبه وَضَحٌ فقال: ما هذا البياض بك فقال: سيف الله جلاه، ودخل حارثة بن بدر على زياد وفي وجهه أثر فقال له زياد: ما هذا الأثر الذي في وجهك قال: ركبت فرسي الأشقر فجمح لي فقال: أما أنك لو ركبت الأشهب لما فعل ذلك، فكنَّى حارثة بالأشقر عن النبيذ وکنَّی زیاد بالأشهب عن اللبن. وقال معاوية للأحنف بن قيس أخبرني عن قول الشاعر:

إذا ما مات ميتٌ من تميمٍ
فسرَّك أن يعيش فجئ بزاد
بخبزٍ أو بتمرٍ أو بسمنٍ
أو الشيء الملف بالبجـاد
تراه يطوف في الآفاق حرصاً
ليأكل رأس لقمان بن عاد

ما هذا الشيء الملفف في البجاد؟ قال الأحنف: السخينة يا أمير المؤمنين، قال معاوية: واحدة بأخرى والبادي أظلم. والسخينة طعام كانت تعمله قريش من دقيق وهو الخزيرة فكانت تسب به».

وهل ننسى، ونحن نتكلم عن الكناية، قول عمر بن أبي ربيعة:

أيها المنكح الثريا سهيلاً
عمرك الله! كيف يلتقيان؟
هي شامية، إذا ما استقلت؛
وسهيل، إذا استقل، يماني

ويجدر بالمؤرخ العربي، بعد مطالبة القرآن ودرس حكمه وأحكامه، أن

يدرس رسالة الفخر الرازي «نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز» فيلمَّ ببعض ما كان يجول في عقول السلف من هذا القبيل، فهنالك فصول متتابعة في الكناية وضروبها، والتجنيس وأنواعه، والسجع، والتضمين، والترصيع، والمجاز، والتشبيه، والاعتذار، والاستعارة، والمطابقة، والمقابلة، والمزاوجة،


  1. طبعة بولاق، سنة ۱۳۹۳، ٢۸۸:۱-٢۹۰ : «باب الكناية والتعريض».