صفحة:الأسلوب العلمي والتأريخ.pdf/5

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
٦٧
الأسلوب العلمي والتأريخ

تفسير النص

وبانتهاء المؤرخ من نقد الأصول، على الوجه الذي تقدم شرحه في الباب الثالث من هذا الكتاب، ينتهي النقد الخارجي. وينتقل المؤرخ من ظاهر النص ومجرد اللفظ إلى باطن الكلام وفهم المعنى، فيشرع في النقد الداخلي.

والنقد الداخلي في مصطلح التأريخ على نوعين: نقد داخلي إيجابي، ونقد داخلي سلبي. فالإيجابي يفسّر النص ويظهر معناه. والسلبي يكشف الستار عن مآرب المؤلف وأهوائه ودرجة تدقيقه في الرواية.

وتفسير النص، وهو موضوع هذا الباب، يكون على وجهين: أولهما تفسير ظاهر النص، وثانيها إدراك غرض المؤلف. فعلى المؤرخ المدقق المنقب، حيث يحاول تفسير هذا النص، أن يلم أولاً بلغة الأصل الذي يدرس. وعليه أن يجيد فهم هذه اللغة كما عرفت واستعملت في العصر الذي عاش فيه راوي الرواية. فمعاني المفردات تتطور وتتغير أحياناً تطور الظروف وتغير الأحوال. وكفانا دليلاً على ذلك بعض أعمال المجمع اللغوي في مصر، وما وضعنا في هذا الكتاب من المعاني الجديدة المصرية في بعض المفردات والاصطلاحات التي استعملت في كتب الحديث والتفسير منذ مئات السنين. وعلى المؤرخ أيضاً أن يذكر أن المفردات والاصطلاحات اللغوية تختلف أيضاً باختلاف الإقليم. وقد تختلف باختلاف الكاتب نفسه.

وحيث يشعر المؤرخ المدقق بشيء من الشك في فهم بعض هذه الدقائق اللغوية في أصل من الأصول يجدر به أن يكمل قراءة النص أولاً، لعله يقف على إيضاح ما التبس. فإن أعياه ذلك فعليه بسائر كتب المؤلف. وإذا لم يجد التفسير في النص نفسه، ولا في مؤلفات المؤلف الأخرى، رجع في ذلك إلى أقوال الزملاء المعاصرين. هذا، و إن «لا أدري» لمن العلم!

وقد يكتفي المؤرخ، في قراءة الأوامر الإدارية وبعض النصوص التاريخية القصصية، بتفسير ظاهر النص لإدراك غرض المؤلف، وذلك أن واضع النص، في مثل هذه الظروف، يتوخى استعمال الألفاظ التي توضح المعنى دون أي تردد