صفحة:الأرواح المتمردة (1908) - جبران خليل جبران.pdf/82

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
٦٦

وضع حبيبها باقة من زهور الحقل فوق جسدها الهامد لتتكلم بذبولها وفنائها البطيء عن مصير النفوس التي يقدسها الحب بين قوم أعمتهم المادة وأخرسهم الجهل. وقبر فقيرٍ بائسٍ أوهت ساعديه حقول الدير فطرده الرهبان ليستعيضوا عنها بسواعد غيره، فطلب الخبز لصغاره بالعمل فلم يجده، ثم رجاه بالتسول فلم ينله، وعندما دفعه اليأس إلى استرجاع قليل من الغلة التي جمعها بأتعابه وعرق جبينه قبضوا عليه وفتكوا به، وقد وضعت أرملته صليبًا على قبره ليستشهد في سكينة الليل نجوم السماء على ظلم رهبان يحولون تعاليم الناصري إلى سيوف يقطعون بها الرقاب ويمزقون بحدودها السنينة أجساد المساكين والضعفاء.

وتوارت الشمس إذ ذاك وراء الشفق كأنها ملَّت متاعب البشر وكرهت ظلمهم. وابتدأ المساء يحيك من خيوط الظل والسكون نقابًا دقيقًا ليلقيه على جسد الطبيعة، فرفعت عينيّ إلى العلاء وبسطت يديَّ نحو القبور وما عليها