صفحة:الأرواح المتمردة (1908) - جبران خليل جبران.pdf/158

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
١٤٢

وانتشل من وسطه حبلًا متينًا وهم ليوثق به كتفي خليل، فوقف الشاب ولم تتغير ملامحه بل ظل رأسه مرفوعا كالبرج أمام الزوبعة وسالت على شفتيه ابتسامة محزنة ثم قال: «أنا أشفق عليكم أيها الرجال لأنكم آلة قوية عمياء في يد مبصر ضعيف يظلمكم ويسحق الضعفاء بسواعدكم، أنتم عبيد الغباوة، والغباوة هي أشد اسودادًا من بشرة الزنوج، وأكثر استسلامًا للحيف والقساوة، كنت بالأمس مثلكم أيها الرجال وغدًا تصيرون مثلي، أما الآن فبيننا هُوَّةٌ عميقة مظلمة تمتص ندائي وتحجب حقيقتي عنكم فلا تسمعون ولا تبصرون، ها أنذا فشدوا ساعدي وافعلوا بي ما شئتم»

سمع الرجال هذا الكلام فجمدت عيونهم واقْشَعَرَّتْ أبدانهم وبُهتوا بالشاب هنيهة كأن عذوبة صوته قد انتزعت الحركة من أجسادهم وأيقظت الميول العلوية الهاجعة في أعماق قلوبهم، ولكنهم عادو فانتبهوا كأن صدى صوت الشيخ عباس قد تململ في مسامعهم وذكَّرهم بالمهمة التي بعثهم من أجلها، فتقدموا وأوثقوا ساعدي الشاب، وخرجوا