صفحة:الأجنحة المتكسرة (1912) - جبران خليل جبران.pdf/45

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
-٣٩-

ونظرت نحو النافذة، فبقيتُ أنا صامتًا مفكرًا بكلماتها مصورًا لكل مقطع معنى، راسمًا لكل معنى حقيقة، ثم عادت فحدَّقتْ إليّ كأنها ندمت على ما قالت، فحاولت استرجاع كلماتها من أذنيّ بسحر أجفانها، ولكن سحر تلك الأجفان لم يسترجع تلك الألفاظ إلا ليعيدها إلى أعماق صدري أكثر وضوحًا وأشد تأثيرًا، وليبقيها هناك ملتصقة بقلبي متموِّجة مع عواطفي إلى آخر الحياة.

كل شيء عظيم وجميل في هذا العالم يتولَّد من فكر واحد أو من حاسة واحدة في داخل الإنسان. كل ما نراه اليوم من أعمال الأجيال الغابرة كان قبل ظهوره فكرًا خفيًّا في عاقلة رجل أو عاطفة لطيفة في صدر امرأة … الثورات الهائلة التي أجرت الدماء كالسواقي وجعلت الحرية تُعبد كالآلهة كانت فكرًا خياليًّا مرتعشًا بين تلافيف دماغ رجل فرد عائش بين ألوف من الرجال. والحروب الموجعة