صفحة:الأجنحة المتكسرة (1912) - جبران خليل جبران.pdf/24

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
-١٨-

كأنه يبحث عن أسرار الأيام والليالي بين دقائق الأثير.

فقمت إذ ذاك من مكاني، ولما أخذت يده مودعًا قلت له« غدًا أزور فارس كرامة قيامًا بوعدي له واحترامًا للتذكارات التي أبقتها صداقته لوالدي»

فبُهت بي الشاب دقيقة وقد تغيرت ملامحه، كأن كلماتي القليلة البسيطة قد أوحت إليه فكرًا جديدًا هائلًا، ثم نظر في عيني نظرة طويلة غريبة — نظرة محبة وشفقة وخوف — نظرة نبي يرى في أعماق الأرواح ما لا تعرفه الأرواح، ثم ارتعشت شفتاه قليلًا ولكنه لم يقل شيئًا، فتركته وسرت نحو الباب بأفكار متضعضعة، وقبيل أن يلتفت إلى الوراء رأيت عينيه ما زالتا تتبعانني بتلك النظرة الغريبة؛ تلك النظرة التي لم أفهم معانيها حتى عتقت نفسي من عالم المقاييس والكمية وطارت إلى مسارح الملأ الأعلى حيث تتفاهم القلوب بالنظرات وتنمو الأرواح بالتفاهم.