صفحة:الآراء والمعتقدات (1926) - غوستاف لوبون.pdf/80

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– ٨٠ –

سبيل ذلك ، كان عليه في أول الأمر أن يقضى على النمسا الحربية ذات النفوذ الذي اتفق لها بفعل ماضيها المجيد ، وما ناله سنة ١٨٦٦ من نصر في معركة ( صادوا ) فبعناء

ولعجز متناه في قائد العدو ، ثم كان عليه بعد ذلك أن يحارب نابليون الثالث الذي كان الناس يعدون جيوشه لا تُغلب ، نعم يقدر الرجل العظيم على الاستعداد لجميع تلك الامور ولكن من غير أن يضمن النجاح ، وبالخلق المقدام والذكاء الواسع الخارق وحدها تُقْتَحم مثل تلك المخاطر .

والمنطق العاطفي على الخصوص هو الذي يقذف بالانسان الى المخاطرة ، وهو الدعامة الأولى التي يستند اليها في القيام بمشروع يسوق اليه المنطق العقلى أيضاً ، نعم كان يوجد في اجتياز جبال الألب وعبور بحر المانش بواسطة الطيارة خطر عظيم ، ولكن المنطق العقلى قد دَعَمَ إرادةً مشبعة من حب ومن الميل الى اقتحام المصاعب وغيره من العناصر ذات المصدر العاطفى فوقع ذلك الاجتياز والعبور ، فالسبب في عظمة رجال التاريخ وأفاضل العلماء وأكابر المفكرين ومشاهير الربابنة هو كونهم علموا كيف ينتفعون بجميع أنواع المنطق المسيطرة على الانسان ويتصرفون في ميزان العال الذي يتقرر فيه أمر المستقبل .

ولا تتقدم الحضارات بالجموع التي هي لُعَبٌ تُسيرها الغرائز بل بصفوة الرجال التي تفكر لأجل الجموع وتقودها ، ولم يفعل الساسة بمحاولتهم تسخير المنطق العقلى لمنطق الجموع كى يبرر اندفاعاته سوى إحداث فوضى عميقة.

تلخص هذا الفصل والفصول التي تقدمته بالكلمات الآتية وهي : إن حوادث التاريخ تنشأ عن توازن أنواع المنطق المختلفة وتصادمها ، ولكل من هذه الأنواع في ميزان العلل الذي توزن فيه مقاديرنا شأنه الخاص ، فأذا هیمن أحدهم على الآخر فان مصير الناس يتبدل .

والمنطق العاطفي يجعل الانسان يسير غير متأمل وراء اندفاعات مشؤومة ، والمنطق الديني يولد الأديان التي تلجىء الانسان الى الاهتمام بنجاته الأبدية، ومنطق الجماعات يوجب جلوس طبقات الشعب الدنيـا على منصة الحكم ويرجع بهذا الشعب الى الهمجية ، والمنطق العقلى يلقى الشكوك والريب في قلب الأنسان ويدفعه إلى البطالة .