صفحة:الآراء والمعتقدات (1926) - غوستاف لوبون.pdf/167

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
- ۱٦۷ -

التي شرحناها على معتقدات ظهرت أخيراً متخذين المذهب الروحاني الحديث - ذا المعجزات التي ضاهي بها الأديان السابقة - مثالاً لها ، وبعدما نرى أموراً باطلة غير محتملة سلم بصحتها عند حدوثها كثير من أفاضل العلماء يتضح لنا تجريبيا أنهُ لا شأن العقل والذكاء في تكوين المعتقدات وأن عناصر العاطفة والتدين التي شرحناها عندما بحثنا عن أنواع المنطق المختلفة هي التي تؤثر في ذلك التكوين

وسيكون استدلالی مستقلا عن قيمة معتقدات الروحانيين صارفاً همي على الخصوص الى المسائل التي قال بصحتها علماء كثيرون مع اعتراف أنصارها مؤخراً بأنها وهمية باطلة ، ومنه يتضح أن المختَبِر يؤمن – بعد أن يدخل في دائرة المعتقد . بالمستحيلات ويكون أحيانًا مثل الهمج في سذاجته وسرعة تصديقهِ

وسنستنبط من هذه البرهنة ومن المبادىء التي فصلناها في هـذا الكتاب أدلة حقيقية تتضح بها كيفية ظهور المعتقدات وانتشارها اتضاحا نجريبيا ، ولكي نصل الى ذلك نبدأ في البحث عن المعتقدات السابقة التي اشتق منها المذه الروحاني الحديث

۲ – السحر في القرون القديمة وفي القرون الوسطى

تعطش الانسان في كل وقت الى كشف مصيره و إلى نيل معونة من قوى علوية يعتقد أنها محيطة به ، ومن هذا التعطش بدت أنواع السحر المختلفة ، ولقـد تعاطت الشعوب جميعها فن السحر في جميع أجيال التاريخ ، فزاول الناس في القرون القديمة استدعاء الموتى والتنجيم والكهانة التي هي من فروع السحر مزاولة مستمرة .

والكهانة أي العرافة – التي استندت إلى وسائل متعددة ولا سيما الى أجوبة من الآلهة يفسرها أناس هم كالوسطاء في الوقت الحاضر - هي أكثر أنواع السحر القديم شيوعاً ، والسحر في روما كان دينا للدولة ذا كمنة عهد اليهم في تفسير الحوادث ، وقد تمتع هؤلاء الكهنة بنفوذ عظيم حتى إن قادة الجيوش كانوا لا يباشرون القتال قبل أن يستشيروهم وكثيراً ما نقضت قوانين ونظمٌ بعد أن أبدوا رأيهم فيها ، وما ألغيت جمعية العرافين في روما الا في القرن الرابع بأمر من الامبراطور ( تيودوز ) أي أيام استفحل شأن الديانة المسيحية .