صفحة:الآراء والمعتقدات (1926) - غوستاف لوبون.pdf/13

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تم التّحقّق من هذه الصفحة.
– ۱۳ –

جنون غير مطبق، ومما يجب ملاحظته هو أنه لو كان هؤلاء الأشخاص المشهورون في حالة اعتدال بدلاً من أن يكونوا ذوي نفسية مختلة مذيذبة لما اهتم الأدب والفن يأمرهم.

طريقة القياس النفسي. – مع اكتفاء هذه الطريقة الحديثة حتى الآن بالبحث عن الغرائز وعن قليل من الانفعالات البسيطة فانه يظهر أنها ستكون احدى الطرق المعتبرة في المستقبل، يقول أنصارها أنه لا بد من فحص أحوال الحيوانات الدنيا لفهم نفسية الانسان، غير أن هذا البيان لم ينل بعد ما يستحقه من الحظوة عند علماء النفس الذين يزعمون وجود فرق قاطع بين عقل الانسان و بين عقل الحيوان الذي هو دونه، فهم على عكس الطبيعة التي لا تعرف مثل هذه الفروق القاطعة، فقد قطعنا الدور الذي كان ( ديكارت ) يعد فيه الحيوانات آلات متحركة.

ومع ذلك فان تطبيق الطريقة المذكورة كثير المصاعب، إذ نشاهد أن حواس الحيوانات و مشاعرها تختلف عن حواسنا ومشاعرنا، ثم إن من يود أن يكتنه الحيوانات فعليه أن يلاحظ حركاتها وسكناتها ملاحظة وثيقة دقيقة، ولما كان هذا العمل شاقاً فان علم نفس الحيوانات – حتى العليا – لا يزال في المرحلة الأولى.

الطريقة التي اتخذناها في هذا الكتاب البحث عن الآراء والمعتقدات. – يشعر القارىء من الطرق التي ذكرناها آنفاً بأنها لا تصلح لبيان تكوين الآراء والمعتقدات وتطورها، ولذلك فاننا مضطرون الى الاستعانة بطرق أخرى، لقد حللنا – بعد أن درسنا ما هو مرتع لنفوذ المعتقد من ذكاء ومشاعر ولا شعور الخ – المعتقدات الدينية والاخلاقية الح باحثين عن عللها وأسبابها القاهرة، ومن تاريخ الماضي والحوادث اليومية الحاضرة تتكون مقومات موضوعنا، فالمعتقدات العظيمة هي في الغالب تراث الماضي، والذي يجلب النظر فيها كثيراً هو كونها حافلة بالمستحيلات التي يرفضها العقل النظري، وعندما نوضح كيفية اعتناقها يظهر لنا أن الرجل المتعلم والعالم الذي تعود مناهج المختبرات الدقيقة يفقد في ميدان المعتقد كل ما فيه من ملكة انتقاد و یؤمن بالمعجزات، وسيكون لنا في البحث عن مظاهر السحر والشعوذة