صفحة:الآراء والمعتقدات (1926) - غوستاف لوبون.pdf/116

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
- ۱۱٦ -

لم تبتعد من مسئلة تكوين الآراء والمعتقدات كما قد يتوهم البعض من مطالعة التفصيل السابق، وإلا فكيف ندرك ما في الزمرة من وحدة الآراء من غير أن نبحث عن المؤثرات التي أوجبت وجود تلك الزمرة ؟ لقد لقينا صعوبة في تعيين العوامل ذات التأثير الكبير وقتها درسناها في الفصول التي خصصناها للآراء الشخصية، فلا أسهل من تعيينها فيما يتعلق بالزمر المحدودة الكثيرة التجانس كالتي ذكرنا تكوينها أننا، فهذه الزمر تتألف بالحقيقة من أفراد ليس لهم سوى آراء بيئتهم الصغيرة أي زمرتهم المضطرة - كي تحافظ على قوتها - الى عدم الاعضاء عن أية مخالفة في الرأي تبدو من احد أفرادها .

وستصبح مسئلة تكوين الآراء والمعتقدات اقل سهولة عند ما لا تسمح الجماعة التي ينتسب اليها المرء بأن يكون عنده رأى غير رأيها، وعندئذ تضيق حرية الفكر حتى تصير أمراً مستحيلاً، فلتقع مجتمعات المستقبل تحت حكم الاشتراكية أو النقابية أو في ريقة المستبدين الذين يؤدي هذان المذهبان الى ظهورهم حتما لترى كيف يستولى عليها استعباد نفسي عظيم .

۲ – كیف تخلصت روح الفرد من روح الزمرة وكيف تعود اليها

يؤدى التطور الحديث -كما بينا - الى تحويل المجتمعات الى زمر صغيرة مختلفة لكل منهـا مشاعر وأفكار وآراء مشتركة أي روح واحدة، ولا فائدة من البحث عن قيمة هذا التطور، لأن العقل لا يبدل سير الأمور، ولكن اذا لم ندرس قيمة الحوادث فانه لا بأس في شرحها .

يسهل علينا أن نثبت أن اندغام روح الأفراد في روح الجمع هو كناية عن عودة إلى صفحات التاريخ الأولى التي لا نزال نشاهد مثلها عند الشعوب الفطرية المتأخرة، فهذه الشعوب تتألف من جماعات صغيرة تدعى قبائل تتقاتل في الغالب، وشأن الفرد في القبائل المذكورة ضعيف جدا لأن روح الفرد لم تتحرر فيها من روح المجموع، وهذا هو السبب في كون أفراد القبيلة جميعهم مسؤولين عن عمل أحدهم .

إن معرفة هذا الأمر ضرورية لإدراك حقوق من هم على الفطرة أو الشعوب .