صفحة:الآراء والمعتقدات (1926) - غوستاف لوبون.pdf/106

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
– ١٠٦ –

و يرسخ ميراث الماضي كلما شاخت الأمة ، وما كان سرقوة الأمة يصبح بفعل الزمان سبب ضعفها ، وكما صعب التتامها مع أي مبتكر حديث أصبحت أفكارها وآراؤها أكثر تقيداً منها في السابق .

ويقع كل يوم تصادم بين الشعور الذي يهيمن عليـه العقل وبين المحرضات الارثية التي لا تأثير للعمل فيها ، وما تأتى به الأمم من ثورات عنيفة لتتخلص بها من نير الماضي الثقيل فذو تأثير غير دائم ، لأن الثورات و إن أمكنها أن تهدم الأشياء وتخر بها فانها لا تبدل النفوس الا قليلا ، وعلى هـذا نرى أن آراء فرنسا القديمة ومعتقداتها ذات تأثير عظيم في فرنسا الحديثة ، وما وقع فيها من تغيير ففى الظواهر فقط .

١ – تأثير البيئة في الزمر الاجتماعية

تؤثر البيئة الاجتماعية في آرائنا وسيرنا تأثيراً شديداً ، فهي تولد فينا أدلة غير شعورية تقودنا من حيث لا ندري ، ويتألف من كتب أحد الأدوار وجرائده ومناقشاته وحوادثه وسط هو مع خفائه يعين وجهة سيرنا ، وفى هـذا الوسط بذور لمبادىء فنية أو أدبية أو علمية أو فلسفية يكسوها اولو العبقرية أحيانا شكلاً ساطعا زاهراً .

وما في البيئة من آراء متين ، حتى أن الرجل الذي يغير بيئته يضطر الى الاذعان لآراء بيئته الجديدة ، ولهذا السبب يسهل على اشتراكي فوضوى أن يصبح محافظًا عند ما يقبض على ناصية الحكم ، فكلٌ يعلم كيف استطاع نابليون أن يحول بسهولة غيلان العهد الذين لم يتسع لهم المجال ليتمادوا في قصل الرقاب الى دوكات وحُجَّاب و بارونات .

تأثير البيئـة الاجتماعية عامٌ ، وأما الزمرة التي تنتسب اليها فهي التي تؤثر تأثيراً خاصا ، وما في المرء من معتقدات أو آراء شخصية مصدرها اختباراته وتأملاته فقليل الى الغاية ، فأكثر الناس لهم رأى زمرتهم أي طائفتهم أو طبقتهم وأهل مذهبهم أو حزبهم أو أرباب مهنتهم .