صفحة:الآراء والمعتقدات (1926) - غوستاف لوبون.pdf/103

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– ١٠٣ –

المسمى « روح السياسة » ضرر كثير من القوانين التي كان يظهر أن العقل هو الذي

أملاها ، وسرعان ما أثبتت التجربة أن تأثير أكثر هذه القوانين الجائرة مناف حتى لمنفع الذين وُضعت لحمايتهم.

ونورد الحادث الآتي الذي وقع حديثا في مدينة ( ديجون ) مثالاً على تلك النتائج : لما أوجبت احدى المصادفات الضالة انتخاب بلدية اشتراكية لتدير أمور هذه المدينة تصور أعضاء البلدية المذكورة أن يساعدوا العمال على أن يجعلوا..كان مكوس الدخولية ضرائب ترهق الأغنياء وفعلا أجروا ذلك ، ولكن الأمر لم يلبث أن انقلب الى ضده ، لأن معيشة العمال بدلاً من أن تصبح رخيصة صارت أغلى منها في الماضي كثيراً ، وهكذا علمت التجربة الاشتراكيين أن سنن الاقتصاد التي يستخف بها عند عدم إدراكها لا تسمح بفرض أية ضريبة على طبقة واحدة دون غيرها ، فاذا فرضت هذه الضريبة فانهـا توزع في الحال – ولكن على وجه غير مباشر – على الطبقات الباقية أيضا لا علي التي فرضت عليها وحدها.

دروس التجربة تكون في الغالب بارزة ، فلماذا يعجز كثير من رجال السياسة الذين هم على شيء من الذكاء عن فهمها ؟ أجيب عن ذلك قائلاً – كما بينت في الفصول السابقه - إن التجربة لا تؤثر في المعتقدات على وجه التقريب ، ولما كانت مبادى، زعماء الأحزاب المتطرفة من فصيلة المعتقدات لا من فصيلة الآراء فانها تستند الى دعائم عاطفية دينية لا يقدرون على مقاومتها.

وليس للعقل الذي يستشهد به المشتغلون بالسياسة تأثير في هؤلاء كما أنه لا تأثير له في أنصار أي إيمان : فالحقائق العاطفية أو الدينية هي التي تقودهم جميعا ، فهم وإن كانوا ذوى سلطان على خطبهم فانهم لا سيطرة لهم على المحرضات الخفية التي تملى عليهم تلك الخطب.

وبعد أن اطلعنا على تكوين الآراء - التي ليس فيها من المعقول سوى الظواهر - تكوينا خفيا فاننا لا نحنق على عدم فطنة من أبدوها ، فالحقائق التي لا يدركها غير من لا دليل لهم الا المنطق العقلى تظل خافية على من لا دليل لهم غير المعتقد