البحر رزقنی الله بقطعة من خشب فركبتها وضربتنی الامواج الى ان رمتنی على ساحل جزيرة فلم أزل أمشی في الجزيرة باقی ليلتی فلما أصبح الصباح رأيت طريقا فيه أثر مشی على قدر ابن آدم وتلك الطريق متصلة من الجزيرة الى البر وقد طلعت الشمس فنشفت ثيابی فيها وسرت في الطريق ولم أزل سائرة الى أن قربت من البر الذی فيه المدينة واذا أنا بحية تقصدنی وخلفها ثعبان يريد هلاكها وقد تدلى لسانها من شدة التعب فاخذتنی الشفقة عليها فقعدت الى حجر والقيته على رأس الثعبان فمات من وقته فنشرت الحية جناحين وصارت فی الجو فتعجبت من ذلك وقد تعبت فنمت فی موضعی ساعة فلما أفقت وجدت تحت رجلی جارية وهی تكبس رجلی فجلست واستحيت منها وقلت لها من أنت وما شانك فقالت ما اسرع ما نسيتنا أنت التا فعلت معا الجميل وقتلت عدوی فانی الحية التی خلصتينی من الثعبان فاني جنية وهذاالثعبان جنی وهوعدوی وما نجانی منه الا أنت فلما نجيتنی منه طرت فی الريح وذهبت الى المركب التی رماك منها أختاك ونقلت جميع ما فيها الى بيتك واغرقتها وأما أختاك فانی سحرتهما كلبتين من الكلاب السود فانی عرفت جميع ما جرى لك معهما وأما الشاب فانه غرق ثم حملنی أنا والكلبتين والقتنا فوق سطح داري فرأيت جميع ما كان فی المركب من الاموال فی وسط بيتی ولم يضع منه شیء ثم ان الحية قالت لی وحق النقش الذی على خاتم سليمان اذا لم تضربی كل واحدة منها فی كل يوم ثلاثمائة سوط لآتين اجعلنك مثلهما فقلت سمعا وطاعة فلم أزل يا أمير المؤمنين اضربها ذلك الضرب واشفق عليهما فتعجب الخليفة من ذلك ثم قال للصبية الثانية وأنت ما سبب الضرب الذی على جسدك فقالت يا أمير المؤمنين انی كان لی والد فمات وخلف مالا كثيرا فاقمت بعده مدة يسيرة وتزوجت برجل أسعد أهل زمانه فأقمت معه سنة كاملة ومات فورثت منه ثمانين ألف دينار فبينما أنا جالسة فی يوم من الايام اذ دخلت علی عجوز بوجه مسعوط وحاجب ممعوط وعيونها مفجرة وأسنانها مكسرة ومخاطها سائل وعنقها مائل كما قال فيها الشاعر
فلما دخلت العجوز سلمت علی وقالت ان عندی بنتا يتيمة والليلة عملت عرسها وأنا قصدی لك الاجر والثواب فاحضری عرسها فانها مكسورة الخاطر ليس لها الا الله تعالى ثم بكت وقبلت رجلی فاخذتنی الرحمة والرأفة فقلت سمعا وطاعة فقالت جهزی نفسك فانی وقت العشاء أجی وآخذك ثم قبلت يدی وذهبت فقمت وهيأت نفسی وجهزت حالی واذا بالعجوز قد أقبلت وقالت يا سيدتی ان سيدات البلد قد حضرن واخبرتهن بحضورك ففرحن وهن في انتظارك فقمت وتهيأت وأخذت جواری معی وسرت حتى أتينا الى زقاق هب فيه النسيم وراق فرأينا بوابة مقنطرة قبة من الرخام مشيدة البنيان وفی داخلها قصر قد قام من التراب وتعلق بالسحاب فلما وصلنا الى الباب طرقته العجوز ففتح لنا ودخلنا فوجدنا دهليزا مفروشا بالبسط معلقا فيه قناديل موقدة وشموع مضيئة