صفحة:أعلام المهندسين في الإسلام (الطبعة الأولى).pdf/34

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تم التّحقّق من هذه الصفحة.
- ٣٢ -

المال ورغبه في الحضور، فسار نحو مصر ولما وصلها خرج الحاكم للقائه، والتقيا بقرية على باب القاهرة تعرف بالخندق، وأمر بإنزاله وإكرامه، فأقام ريثما استراح، وطالبه بما وعد به من أمر النيل. فسار ومعه جماعة من الصناع المتولين للعمارة بأيديهم؛ ليستعين بهم على هندسته التي خطرت له.

ولما سار إلى الإقليم بطوله، ورأى آثار من تقدم من ساكنيه من الأمم الخالية، وهي على غاية من إحكام الصنعة وجودة الهندسة، وما اشتملت عليه من أشكال سماوية ومثالات هندسية، وتصوير معجز، تحقق أن الذي يقصده ليس بممكن؛ فإنّ من تقدّمه لم يعزب عنهم عـلم ما علمه، ولو أمكن لفعلوا، فانكسرت همته ووقف خاطره.

ووصل إلى الموضع المعروف بالجنادل (الشلّّال) قبلي مدينة أسوان وهو موضع مرتفع ينحدر منه ماء النيل، فعاينه وباشره واختبره من جانبيه، فوجد أمره لا يمشي على مراده، وتحقّق الخطأ فيما وعد به، وعاد خجلاً منخذلاً، واعتذر بما قبل الحاكم ظاهره ووافقه عليه.

وولّاه الحاكم بعض الدواوين فتولاها رمية لا رغبة وتحقق الغلط في الولاية؛ فإن الحاكم كان كثير الاستحالة، مريقاً للدماء بغير سبب أو أضعف سبب من خيال يتخيله، فأجال فكره في أمر يتخلّص به فلم يجد طريقاً إلى ذلك إلا إظهار الجنون والخبال، فاعتمد ذلك وشاع عنه فأحيط على موجوده بيد الحاكم ونوابه، وجُعل برسمه من يخدمه ويقوم