شرح تشريح القانون لابن سينا/القسم الثاني/الفصل الأول/البحث الرابع

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
​شرح تشريح القانون لابن سينا​ المؤلف ابن النفيس
القسم الثاني
معرفة الرأس وأجزائه - البحث الرابع



البحث الرابع

هيئة الموضع الذي تحت الدماغ

المسمى بالبركة والمعصرة


قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه من قوله: وتحت آخر هذا العطف وإلى خلفه المعصرة... إلى قوله: ولم يلحقها صلابة العصر.

الشرح الموضع المسمى بالبركة يحدث من تسفل وسط الغشاء الصفيق الذي تحت الدماغ. وهو الأم الجافية فإن وسط هذا الغشاء أعني وسط ما تحت الدماغ منه يتسفل فيحدث من تسفله تجويف، أعني وهدة.

وهذه الوهدة مستديرة المحيط متدرجة في التسفل، ولذلك أكثر تسفلها في وسطها، فلذلك تسمى البركة لأنها على هيئة البركة التي تسمى في العرف العام: طشتية. وإلى هذه البركة تتوجه أطراف كثيرة من الأوردة النافذة في جرم الدماغ فيخرج الدم من فوهاتها إلى هذه البركة، ولذلك تسمى أيضاً المعصرة. لأن العروق كأنها تنعصر إليها حتى يخرج منها الدم إليها وهذه المعصرة موضوعة تحت آخر هذا الطي، أعني الغشاء الذي بينا أنه ينفذ في وسط جرم الدماغ ما بين مقدمه ومؤخره، وإنما كانت المعصرة مع أنها تحت آخر هذا الغشاء فإنها موضوعة إلى خلفه أي أنها تميل إلى خلفه قليلاً فتكون منحرفة عن وسط الدماغ في طوله إلى خلفه بقدر يسير، وسبب هذا الانحراف أن تكون قريبة من الأوردة النافذة في الدماغ فإن أكثرها إنما ينفذ إلى داخل الدماغ من خلفه وذلك من ثقب موضوع في أعلى الدرز اللامي على ما بيناه في تشريح الأوردة والغرض بذلك أن يصل الدم إليها بسرعة قبل نفوذ تلك العروق إلى قرب مقدم الدماغ فيسخنه بأكثر ما ينبغي، لأن الدم في أو ل نفوذ هذه العروق إلى الدماغ يكون بعد حاراً بما هو دم وبما يخالطه من الصفراء الكثيرة التي لابد من مخالطتها له، وإلا لم يسهل تصعده إلى الدماغ. فلذلك جعلت هذه المعصرة أميل عن وسط طول الدماغ لتغذية الدماغ ثم إلى مؤخره ليصل إليها الدم بسرعة فيتعدل فيها حتى يصلح بعد ذلك ينفذ فيها إلى جميع أجزائه، وإنما احتمل مؤخر الدماغ نفوذ الدم الحار فيه من غير أن يتضرر بذلك لأن هذا المؤخر أشد برداً من المقدم. فلذلك الدم الحار يرده إلى قرب الاعتدال قليلاً وهذا من جملة الأسباب التي أو جبت نفوذ أكثر الأوردة والشرايين إلى الدماغ من جهة مؤخره.

قوله: وهذا الطي ينتفع به في أن يكون منبتاً لرباطات الحجاب الصفيق بالدماغ في موازاته الدرز من القحف الذي يليه وفي بعض النسخ الحجاب اللصيق بالدماغ، ومعنى هذه النسخة أن من جملة منافع هذا الطي أعني القاسم للدماغ إلى جزء مقدم وآخر مؤخر أنه ينبت منه أجزاء يرتبط به الغشاء اللصيق بالدماغ، أعني الأم الرقيقة بالدرز من القحف، وهذا الدرز الذي يلي هذا الطي أي الذي يحاذيه.

وهذه النسخة لا تصح.

فإنه لا درز في القحف يحاذي هذا الطي هو في وسط ما بين مقدم الدماغ ومؤخره، وليس في وسط القحف درز من يمين الرأس إلى يساره حتى يكون محاذياً لهذا الطي، وكذلك النسخة التي كتبناها أو لاً لا تصح أيضاً لما قلناه، ولأن الأجزاء التي تصل بين الحجاب الصفيق والدرز السهمي الممتد بطول القحف إنما تتصل من ذلك الحجاب الصفيق لا من هذا الطي فإن تلك الأجزاء بعد نفوذها في ذلك الدرز تنبت في السمحاق لتعلق بها الأم الجافية فلا يقع على الدماغ.

وأما الأم الرقيقة فلا حاجة بها إلى انفصال أجزاء منها إلى القحف فإن ذلك تلزمه كثرة الثقوب في الأم الجافية من غير حاجة الأم الرقيقة لا تحتاج إلى أن يتعلق بشيء حتى تستقل عن الدماغ فإنها إنما تتم منفعتها إذا كانت ملاقية للدماغ حتى يصل إليه الغذاء منها.

قوله: وفي مقدم الدماغ منبت الزائدتين الحلميتين اللتين يكون بهما يكون الشم، في وسط مقدم الدماغ من قدام زائدتان شبيهتان بحلمتي الثدي وهما الآلة في الشم على ما نبينه بعد، وجرمها متوسط في الصلابة واللين بين الدماغ والعصب فهما ألين من العصب وأصلب من الدماغ، فلذلك قوامهما قريب من قوام النخاع وأميل منه إلى الصلابة قليلاً وإنما جعلتا في مقدم الدماغ لتكون رطوبته غذاء لهما بالنداوة فلا يعرض لهما جفاف يصلهما وإنما جعلا في وسط ما بين يمين هذا المقدم ويساره ولأن هذا الموضع أرطب أجزاء المقدم، وإنما احتيج أن تكون آلة الشم شديدة اللين لأن محسوسها هو الكيفية التي تجذب في الهواء المستنشق وجميع ذلك الأجل ضعفه إنما ينفعل عنه ما كان شديد القبول جداً، وإنما يكون كذلك إذا كان شديد اللين جداً حتى ينفعل عن المؤثرات وإن ضعفت جداً. والله ولي التوفيق.