الروضة الندية شرح الدرر البهية/كتاب البيع/تعريف البيع

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة



تعريف البيع



تعريف البيع


المعتبر فيه مجرد التراضي وحقيقة التراضي لا يعلمها إلا الله تعالى . والمراد ههنا إمارته كالإيجاب والقبول ، وكالتعاطي عند القائل به ، وعلى هذا أهل العلم .

ولو بإشارة وينعقد بالكناية من قادر على النطق لكونه لم يرد ما يدل على ما اعتبره بعض أهل العلم من ألفاظ مخصوصة، وأنه لا يجوز البيع بغيرها ، ولا يفيدهم ما ورد في الروايات من نحو : بعت منك ، وبعتك . فإنا لا ننكر أن البيع يصح بذلك ، وإنما النزاع في كونه لا يصح إلا بها ولم يرد في ذلك شئ وقد قال الله تعالى : تجارة عن تراض فدل ذلك على أن مجرد التراضي هو المناط . ولا بد من الدلالة عليه بلفظ ، أو إشارة ، أو كناية بأي لفظ وقع على أي صفة كان وبأي إشارة مفيدة حصل ، وقال () : لا يحل مال امريء مسلم إلا بطيبة من نفسه فإذا وجدت طيبة النفس مع التراضي فلا يعتبر غير ذلك .

أقول : هذا غاية ما يستفاد من الأدلة . أعني أن المعتبر في البيع هو مجرد التراضي ، والمشعر بالرضا لا ينحصر فيما ذكروه من الألفاظ المخصوصة المقيدة بقيود ، بل ما أشعر بالرضا ولو بكناية ، أو إشارة ، أو معاطاة من دون لفظ ولا ما في معناه . فإن البيع عند وجود المشعر بمطلق الرضا بيع صحيح ، وعلى مدعي الاختصاص الدليل . ولا ينفعه في المقام مثل حديث إذا بعت وحكاية مبايعته () للأعرابي وما أشبه ذلك . لأنا لا نمنع من اشعار لفظ بعت ونحوه بالرضا ، وإنما نمنع دعوى التخصيص ببعض الأفراد التي لا تستفاد إلا من صيغ مخصوصة ومن ههنا يلوح لك أن قولهم لا ربا في المعاطاة باطل وهكذا أخواته . والحاصل أنا لم نجد في الكتاب والسنة بعد ذكر مطلق البيع إلا قيد الرضا ، والأمور المشعرة به أعم من الألفاظ التي اصطلح عليها الفقهاء . فيندرج تحت الرضا كل ما دل عليه ولو إشارة من قادر ، وكتابة من حاضر .

ولا يجوز بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام لحديث جابر في الصحيحين وغيرهما أنه سمع النبي () يقول : إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام .

والكلب والسنور لما في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي مسعود قال : نهى رسول الله () عن ثمن الكلب وفيها أيضاً من حديث أبي جحيفة نحوه . وفي صحيح مسلم وغيره من حديث جابر أن النبي () نهى عن ثمن الكلب والسنور . وأخرج النسائي بإسناد رجاله ثقات قال : نهى رسول الله () عن ثمن الكلب إلا كلب صيد . قال في المسوى اختلفوا في بيع الكلب فقال الشافعي : حرام وقال أبو حنيفة : جائز ويضمن متلفه .

والدم لحديث أبي جحيفة في الصحيحين قال : إن رسول الله () حرم ثمن الدم .

وعسب الفحل وهو ماء الفحل . يكريه صاحبه لينزى به . لما أخرجه البخاري من حديث ابن عمر أن النبي () عليه نهى عن ثمن عسب الفحل ومثله في صحيحي مسلم من حديث جابر . وفي الباب أحاديث . ورخص في الكرامة وهي ما يعطى على عسب الفحل من غير شرط شئ عليه . كذا في الحجة البالغة .

وكل حرام لما في الصحيحين وغيرهما من حديث جابر قيل يا رسول الله : أرأيت شحوم الميتة فإنه تطلى بها السفن ، وتدهن بها الجلود ، ويستصبح بها الناس . فقال : لا هو حرام . ثم قال : قاتل الله اليهود إن الله لما حرم شحومها جملوه ثم باعوه وأكلوا ثمنه . وأخرج أحمد وأبو داود من حديث ابن عباس أن النبي () قال : لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها ، وإن الله إذا حرم على قوم أكل شئ حرم عليهم ثمنه . قال ابن القيم في الإعلام: وفي قوله حرام قولان أحدهما : أن هذه الأفعال حرام والثاني : أن البيع حرام وإن كان المشتري يشتريه لذلك ، والقولان مبنيان على أن السؤال هل وقع عن البيع لهذا الإنتفاع المذكور ؟ أوعن الإنتفاع المذكور ؟ والأول اختاره شيخنا وهو الأظهر لأنه لم يخبرهم أولاً عن تحريم هذا الإنتفاع حتى يذكروا له حاجتهم إليه . وإنما أخبرهم عن تحريم البيع فأخبروه أنهم يبتاعونه لهذا الإنتفاع فلم يرخص لهم في البيع ، ولم ينههم عن الإنتفاع المذكور . ولا تلازم بين جواز البيع وحل المنفعة ، والله تعالى أعلم انتهى . قلت : والأقرب إلى السنة ما ذهب إليه الماتن .

وفضل الماء لحديث إياس بن عبد أن النبي () عليه نهى عن بيع فضل الماء رواه أحمد ، وأبو داود ، والنسائي ، والترمذي وصححه . وقال القشيري : هو على شرط الشيخين ، ولحديث جابر عند مسلم ، وأحمد ، وابن ماجة بنحوه . وقد ورد مقيداً في الصحيحين من حديث أبي هريرة مرفوعاً بلفظ لا يمنع فضل الماء ليمنع به فضل الكلأ وفي لفظ لا يباع فضل الماء ليمنع به الكلأ وهو في مسلم .

وما فيه غرر وهو استتار عاقبة الشئ ، وتردده بين جهتين ممكنتين ، كبيع الطير في الهواء ، والسمك في الماء . لحديث أبي هريرة عند مسلم وغيره أن النبي () عليه نهى عن بيع الغرر وأخرج أحمد من حديث ابن مسعود أن النبي () عليه قال : لا تشتروا السمك في الماء فإنه غرر وفي إسناده يزيد بن أبي زياد . وقد رجح البيهقي وقفه ، ولكنه داخل في بيع الغرر . قال في المسوى : قال مالك : ومن الغرر والمخاطرة أن يعمد الرجل قد ضلت دابته ، أو أبق غلامه ، وثمن شئ من ذلك خمسون ديناراً ، فيقول رجل أنا أخذه منك بعشرين ديناراً ، فإن وجده المبتاع ذهب من البائع ثلاثون ديناراً ، وإن لم يجده ذهب البائع من المبتاع بعشرين ديناراً . قال مالك وفي ذلك أيضاً عيب آخر أن تلك الضالة إن وجدت لم يدر زادت أم نقصت أم ما حدث بها من العيوب وهذا أعظم المخاطرة . قال مالك : والأمر عندنا أن من المخاطرة والغرر اشتراء ما في بطون الإناث من النساء والدواب ، لأنه لا يدري أيخرج أم لا يخرج ، فإن خرج لم يدر أيكون حسناً ، أم قبيحاً ، أم تاماً ، أم ناقصاً ، أم ذكراً ، أم أنثى . وذلك كله يتفاضل إن كان على كذا فقيمته كذا ، وإن كذا فقيمته كذا انتهى .

وحبل الحبلة لنهيه صلى الله وسله عليه عن ذلك كما في مسلم وغيره من حديث ابن عمرو أن رسول الله () عليه نهى عن بيع حبل الحبلة أخرجه مالك . وفي الصحيحين كان أهل الجاهلية يبتاعون لحوم الجزور إلى حبل الحبلة ، وحبلة الحبلة أن تنتج الناقة ما في بطنها ثم تحمل التي نتجت ، فنهاهم عن ذلك وقد قيل : أنه بيع ولد الناقة الحامل في الحال . وقيل : بيع ولد ولدها كما في الرواية . وقد ورد النهي عن شراء ما في بطون الأنعام . كما في حديث أبي سعيد عند أحمد ، وابن ماجة ، والبزار ، والدارقطني ، وفي إسناده شهر بن حوشب وفيه ضعف . وروى مالك عن سعيد بن المسيب أنه قال : لا ربا في الحيوان ، وإنما نهى من الحيوان عن ثلاثة : عن المضامين ، والملاقيح ، وحبل الحبلة . فالمضامين ما في بطون أناث الإبل ، والملاقيح ما في ظهور الجمال . قلت : وعليه أهل العلم . قال محمد : هذه البيوع كلها مكروهة ولا ينبغي مباشرتها لأنها غرر عندنا ، وفي المنهاج نهى رسول الله () عليه عن حبل الحبلة وهو نتاج النتاج . بأن يبيع نتاج النتاج أو بثمن إلى نتاج النتاج . وعن الملاقيح وهي : ما في البطون . والمضامين وهي : ما في أصلاب الفحول .

والمنابذة أن ينبذ الرجل إلى الرجل ثوبه ، وينبذ الآخر إليه ثوبه على غير تأمل ، ويقول كل واحد منهما هذا بهذا . فهذا الذي عنه .

والملامسة أن يلمس الرجل الثوب ولا ينشره ، ولا يتبين ما فيه ، أو يبتاعه ليلاً ولا يعلم ما فيه . لحديث أبي سعيد في الصحيحين قال : نهى رسول الله () عليه عن الملامسة والمنابذة في البيع . وأخرج نحوه مالك في الموطأ من حديث أبي هريرة ، وفسرهما بما تقدم . ولفظ الماتن الملامسة لمس ثوب الآخر بيده بالليل أو بالنهار ولا يقلبه ، والمنابذة أن ينبذ الرجل إلى الرجل بثوبه ويكون ذلك بيعهما من غير نظر ولا تراض كذا في الرواية . وفي الباب عن أنس عند البخاري قلت : وعليه أهل العلم . قال المحلى : والبطلان فيهما لعدم الرؤية ، أو عدم الصيغة ، أو الشرط الفاسد . أي لا خيار له إذا رآه . كذا في المسوى .

وما في الضرع والعبد الآبق والمغانم حتى تقسم والثمر حتى يصلح والصوف في الظهر والسمن في اللبن لحديث أبي سعيد المتقدم في النهي عن شراء ما في بطون الأنعام فإن فيه النهي عن بيع ما في ضروعها ، وعن شراء العبد الآبق ، وعن شراء المغانم حتى تقسم . وقد ورد النهي عن بيع المغانم حتى تقسم من حديث ابن عباس عند النسائي ، ومن حديث أبي هريرة عند أحمد وأبو داود . وقد ورد النهي عن بيع الثمر حتى يطعم ، والصوف على الظهر ، واللبن في الضرع ، والسمن في اللبن من حديث ابن عباس أيضاً عند الدارقطني ، والبيهقي . وفي إسناده عمر بن فروخ ، وقد وثقه يحيى بن معين وغيره . وأحاديث النهي عن بيع الغرر تشد من عضد جميع ما في هذه الروايات ، لأن الغرر يصدق على جميع هذه الصور . وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما من حديث ابن عمر أن النبي () عليه نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها نهى البائع والمبتاع . وأخرج نحوه مسلم من حديث أبي هريرة . وفي الصحيحين من حديث أنس نحوه . قال مالك : ، الأمر عندنا في بيع البطيخ . والقثاء ، والخربز ، والجزر أن بيعه إذا بدا صلاحه حلال جائز ، ثم يكون للمشتري ما ينبت حتى ينقطع ثمره ويهلك وليس في ذلك وقت مؤقت ، وذلك أن وقته معروف وربما دخلته العاهة فقطعت ثمرته قبل أن يأتي ذلك الوقت ، فإذا دخلته العاهة بجائحة تبلغ الثلث فصاعداً كان ذلك موضوعاً عن الذي ابتاعه .

والمحاقلة بيع الزرع بكيل من الطعام معلوم . قال مالك : المحاقلة كراء الأرض بالحنطة . وقال في المسوى : المحاقلة بيع الزرع بعد اشتداد الحب نفياً .

والمزابنة بيع ثمر النخل بأوساق من التمر . وقال مالك : المزابنة اشتراء الثمر بالتمر في رؤس النخل . وقال في المسوى : المزابنة بيع الثمر على الشجر بجنسه على الأرض . قال مالك : ونهى رسول الله () عليه عن المزابنة ؟ وتفسير المزابنة أن كل شئ من الجزاف الذي لا يعلم كيله ، ولا وزنه ، ولا عدده ابتيع بشئ مسمى من الكيل ، والوزن ، والعدد . وذلك أن يقول الرجل للرجل يكون له الطعام المصبر الذي لا يعلم كيله من الحنطة والتمر ، أو ما أشبه ذلك من الأطعمة ، أو يكون للرجل السلعة من الخبط ، أو النوى أو القضب ، أو العصفر ، أو الكرسف ، أو الكتان ، أو القز أو ما أشبه ذلك من السلع لا يعلم كيل شئ من ذلك ، ولا وزنه ، ولا عدده ، فيقول الرجل : لرب تلك السلعة كل سلعتك هذه ، أو مر من يكيلها ، أوزن من ذلك ما يوزن ، أوعدد منها ما كان يعد فما نقص من كذا وكذا صاعاً لتسمية يسميها ، أو وزن كذا وكذا رطلاً ، أو عدد كذا وكذا فما نقص من ذلك فعلي غرمه حتى أوفيك تلك التسمية فما زاد على تلك التسمية فهو لي أضمن ما نقص من ذلك على أن يكون ما زاد . فليس ذلك بيعاً ولكنه المخاطرة ، والغرر والقمار يدخل هذا لأنه لم يشتر منه شيئاً بشئ أخرجه ، ولكن ضمن له ما سمى من ذلك الكيل أو الوزن أو العدد على أن يكون له ما زاد على ذلك فإن نقصت تلك السلعة من تلك التسمية أخذ من مال صاحبه ما نقص بغير ثمن أعطاه إياه ، وإن زادت تلك السلعة على تلك التسمية أخذ الرجل من مال رب السلعة مالاً بغير ثمن ولا هبة طيبة بها نفسه ، فهذا يشبه القمار . وما كان مثل هذا من الأشياء فذلك يدخله قلت : في شرح السنة ، والعمل على هذا عند عامة أهلم العلم . والعلة في النهي أن المساواة بينهما شرط وما على الشجر لا يحرز بكيل ولا وزن، وإنما يكون تقديره بالخرص وهو حدس وظن لا يؤمن فيه من التفاوت . فأما إذا باع بجنس آخر من الثمار على الأرض ، أو على الشجر يجوز . لأن المماثلة بينهما غير شرط ، والتقابض شرط في المجلس ، وقبض ما على الأرض بالنقل ، وقبض ما على الشجر بالتخلية .

أقول : ومعنى هذا الكلام أن سبب التحريم هو شبه الربا ، ومعنى قول مالك أن سبب التحريم معنى القمار ، وكلا الأمرين صحيح انتهى .

والمعاومة بيع ثمر النخلة لأكثر من سنة في عقد واحد والجميع بيع غرر وجهالة والمخاضرة بيع الثمرة خضراء قبل بدو صلاحها . دليل ذلك حديث أنس عند البخاري قال : نهى رسول الله () عليه عن المحاقلة والمخاضرة والمنابذة والملامسة والمزابنة . وفي الصحيحين من حديث جابر قال : نهى النبي () عليه عن المحاقلة والمزابنة والمعاومة وفي الباب أحاديث .

والعربون هو أن يعطي المشتري البائع درهماً أو نحوه قبل البيع ، على أنه إذا ترك الشراء كان الدرهم للبائع بغير شئ ، لما أخرجه أحمد ، والنسائي ، وأبو داود من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : نهى النبي () عليه عن بيع العربون ولا يعارض هذا ما أخرجه عبد الرزاق في مسنده عن زيد بن أسلم أنه سئل النبي () عليه عن العربان في البيع فأحله ، لأن في إسناده إبراهيم بن أبي يحيى وهو ضعيف . وأيضاً الحديث مرسل . قال في المسوى : قال مالك : وذلك فيما نرى والله تعالى أعلم ، أن يشتري الرجل العبد ، أو الوليدة أو يتكارى الدابة ثم يقول للذي اشتراه منه ، أو تكارى منه أعطيتك ديناراً ، أو درهماً ، أو أقل ، أو أكثر من ذلك ، على أني إن أخذت السلعة ، أو ركبت ما تكاريت منك فالذي أعطيتك من ثمن السلعة ، أو من كراء الدابة ، وإن تركت ابتياع السلعة ، أو كراء الدابة فما أعطيتك فهو لك بغير شئ . قلت : وعليه أهل العلم في المنهاج ، ولا يصح بيع العربون بأن يشتري ويعطيه دراهم لتكون من الثمن إن رضي السلعة ، وإلا فهي هبة. قال المحلى . وعدم صحته لاشتماله على شرط الرد ، والهبة إن لم يرض السلعة انتهى .

والعصير إلى من يتخذه خمراً لحديث لعن بائع الخمر وشاربها ومشتريها وعاصرها أخرجه الترمذي ، وابن ماجه، ورجاله ثقات من حديث أنس . وأخرج نحوه أحمد ، وابن ماجه، وأبو داود ، وفي إسناده عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي ، وقد قيل أنه غير معروف ، وقيل أنه معروف وهو من أمراء الأندلس ، وصحح الحديث ابن السكن . وأخرج الطبراني في الأوسط عن بريدة مرفوعاً من حبس العنب أيام القطاف حتى يبيعه من يهودي ، أو نصراني ، أو ممن يتخذه خمراً فقد تقحم النار على بصيرة وإسناده حسن كما قال الحافظ ، وأخرجه أيضاً البيهقي وزاد أو ممن يعلم أنه يتخذه خمراً ويؤيده حديث أبي أمامة عند الترمذي أن رسول الله () عليه قال : لا تبيعوا القينات المغنيات ، ولا تشتروهن ، ولا تعلموهن ، ولا خير في تجارة فيهن ، وثمنهن حرام وفي الباب أحاديث . وأخرج مالك عن ابن عمر أن رجالاً من أهل العراق قالوا له يا أبا عبد الرحمن : إنا نبتاع من ثمر النخل ، والعنب فنعصره خمراً فنبيعها فقال عبد الله بن عمر : إني أشهد الله عليكم وملائكته ، ومن سمع من الجن والأنس ، أني لا آمر كم أن تبيعوها ، ولا تبتاعوها ، ولا تعصروها ، ولا تسقوها فإنها رجس من عمل الشيطان قلت : وعليه أهل العلم .

والكاليء بالكاليء أي المعدوم بالمعدوم . لحديث ابن عمر عند الدارقطني والحاكم وصححه أن النبي () عليه نهى عن بيع الكاليء بالكاليء ولكنه اعترض على الحاكم بأنه وهم في صحيحه لأن في إسناده موسى بن عبيدة وهو ضعيف. ولكنه قد رواه الشافعي بلفظ نهى عن الدين بالدين ويؤيده ما أخرجه الطبراني عن رافع بن خديج أن النبي () عليه نهى عن بيع الكاليء بالكاليء دين بدين وفي إسناده موسى بن عبيدة الزبدي وهو ضعيف ، وقد قال أحمد فيه لا تحل الرواية عنه عندي ولا أعرف هذا الحديث عن غيره . وقال ليس في هذا أيضاً حديث يصح ، ولكن إجماع الناس على أنه لا يجوز بيع دين بدين انتهى . يعني روى الإجماع على معنى الحديث فشد ذلك من عضده لأنه صار متلقى بالقبول ويؤيده النهي عن بيع الملاقيح والمضامين ، وحبل الحبلة ، لأن العلة في ذلك هي كونه بيع معدوم . وتقويه أيضاً الأحاديث الواردة في اشتراط التقابض كحديث إذا كان يداً بيد وهو في الصحيح . وحديث ما لم تتفرقا وبينكما شئ .

وما اشتراه قبل قبضه لحديث جابر عند مسلم وغيره قال : قال رسول الله () : إذا ابتعت طعاماً فلا تبعه حتى تستوفيه وأخرج مسلم أيضاً وغيره قال : نهى النبي () عليه أن تباع السلع حتى تستوفي وأخرج أحمد من حديث حكيم بن حزام أن النبي () عليه قال له : اذا اشتريت شيئاً فلا تبعه حتى تقبضه وفي إسناده العلاء بن خالد الواسطي . وأخرج أبو داود ، والدارقطني ، والحاكم ، وابن حبان وصححاه من حديث زيد بن ثابت أن النبي () نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم وفي الباب أحاديث . وقد ذهب إلى ذلك الجمهور . وفي الحجة البالغة : قيل مخصوص بالطعام لأنه أكثر الأموال تعاوراً وحاجة ولا ينتفع به إلا بإهلاكه فإذا لم يستوفه فربما تصرف فيه البائع فيكون قضية في قضية ، وقيل يجري في المنقول لأنه مظنة أن يتغير ويتعيب فتحصل الخصومة في الخصومة . وقال ابن عباس : ولا أحسب كل شئ إلا مثله وهو الأقيس بما ذكرنا في العلة انتهى .

قال في المسوى : قال مالك : الأمر المجمع عليه عندنا الذي لا اختلاف فيه أنه من اشترى طعاماً براً ، أو شعيراً ، أو سلتاً ، أو ذرة ، أو دخناً ، أو شيئاً من الحبوب القطنية ، أو شيئاً مما يشبه القطنية مما تجب فيه الزكاة ، أو شيئاً من الأدم كلها الزيت ، والسمن ، والعسل ، والخل ، والجبن ، واللبن ، والشبرق وما أشبه ذلك من الأدم فإن المبتاع لا يبيع شيئاً من ذلك حتى يقبضه ويستوفيه . وفي شرح السنة : اتفق أهل العلم على أن من ابتاع طعاماً لا يجوز له بيعه قبل القبض ، واختلفوا فيما سواه . فقال الشافعي ومحمد : لا فرق بين الطعام ، والسلع ، والعقار في أن بيع شئ منها لا يجوز قبل القبض . قال أبو حنيفة وأبو يوسف : يجوز بيع العقار قبل القبض ، ولا يجوز بيع المنقول . وقال مالك : ما عدا المطعوم يجوز بيعه قبل القبض . قلت كان الأمراء يكتبون للناس بأرزاقهم وعطياتهم كتباً وكان الناس يبيعون ما فيها قبل أن يقبضوها ويعطون المشتري الصك ليمضي به ويقبضه فذلك بيع الصكوك انتهى .

والطعام حتى يجري فيه الصاعان لحديث عثمان عند أحمد ، والبخاري أن النبي () عليه قال له : إذا ابتعت فاكتل وإذا بعت فكل وأخرج ابن ماجه، والدارقطني ، والبيهقي من حديث جابر قال : نهى رسول الله () عليه عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان صاع البائع ، وصاع المشتري وفي إسناده ابن أبي ليلى . وفي الباب عن أبي هريرة بإسناد حسن وعن غيره بأسانيد فيها مقال وقد ذهب إلى ذلك الجمهور .

ولا يصح الاستثناء في البيع مثل أن يبيع عشرة أفراق إلا شيئاً لأن فيه جهالة مفضية إلى المنازعة ، والمفسد هو المفضي إلى المنازعة .

إلا إذا كان معلوماً لحديث جابر عند مسلم وغيره أن النبي () نهى عن بيع الثنيا وزاد النسائي ، والترمذي ، وابن حبان وصححاه إلا أن تعلم والمراد أن يبيع شيئاً ويستثنى منه شيئاً مجهولاً لا إذا كان معلوماً فيصح .

ومنه أي من الثنيا المعلومة إستثناء جابر ظهر المبيع أي جمله إلى المدينة بعد أن باعه من النبي () ، وهو في الصحيحين وغيرهما من حديثه . قال النووي في شرح مسلم . الثنيا المبطلة للبيع . قوله بعتك هذه الصبرة إلا بعضها أو هذه الأشجار إلا بعضها فلا يصح البيع لأن المستثنى مجهول . ولو قال : بعتك هذه الأشجار إلا هذه الشجرة ، أو إلا ربعها ، أو الصبرة إلا ثلثها . أو بعتك بألف إلا درهماً صح البيع باتفاق العلماء . ولو باع الصبرة إلا صاعاً منها فالبيع باطل عند الشافعي . وصحح مالك أن يستثني منها ما لا يزيد على ثلثها ، وإذا باع ثمرة نخلات واستثنى عشرة آصع للبائع فمذهب الشافعي وأبي حنيفة والعلماء كافة بطلان البيع . وقال مالك وجماعة من علماء المدينة : يجوز ذلك ما لم يزيد على قدر ثلث الثمرة .

ولا يجوز التفريق بين المحارم لحديث أبي أيوب قال : سمعت رسول الله () يقول : من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة أخرجه أحمد ، والترمذي ، والدارقطني ، والحاكم وصححه . وحديث علي أمرني النبي () أن أبيع غلامين أخوين فبعتهما وفرقت بينهما فذكرت ذلك له فقال : أدركهما فارتجعهما ولا تبعهما إلا جمعياً أخرجه أحمد ، وقد صححه ابن خزيمة ، وابن الجارود ، وابن حبان ، والحاكم وغيرهم . وحديث أبي موسى قال : لعن رسول الله () من فرق بين الوالد وولده وبين الأخ وأخيه أخرجه ابن ماجة ، والدارقطني ولا بأس بإسناده . وحديث علي أنه فرق بين جارية وولدها فنهاه النبي () عن ذلك ورد البيع أخرجه أبو داود ، والدارقطني ، والحاكم وصححه ، وقد أعل بالإنقطاع . وفي الباب أحاديث . وقد قيل : أنه مجمع على ذلك وفيه نظر .

أقول : الإختلاف في هذه المسألة أعني بيع أمهات الأولاد بين الصحابة أشهر من نار على علم ، وروي عن علي كرم الله وجهه الموافقة لعمر ومن معه في عدم جواز بيعهن ، ثم صح عنه القول بجواز البيع . وقد ذكر الماتن في شرح المنتقى متمسكات الجميع فليرجع إليه . والعجب ممن يزعم أن تحريم البيع قطعي ، وأما المدبر فقد دلت الأدلة الصحيحة على جواز بيعه للحاجة كالدين والاعواز عن النفقة ونحوهما .

ولا أن يبيع حاصر لباد لحديث ابن عمر قال : نهى النبي () أن يبيع حاضر لباد أخرجه البخاري . وأخرج مسلم وغيره من حديث جابر أن النبي () قال : لا يبيع حاضر لباد دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض وفي الصحيحين من حديث أنس قال : نهينا أن يبيع حاضر لباد وأن كان أخاه لأبيه وأمه قلت : وعليه أهل العلم . وفي المنهاج بيع حاضر لباد بأن يقدم غريب بمتاع تعم الحاجة إليه الحاجة إليه ليبيعه بسعر يومه فيقول بلدي أتركه عندي لأبيعه على التدريج . وفي الوقاية : كره بيع الحاضر للبادي طمعاً في الثمن الغالي زمان القحط انتهى .

والتناجش وهو الزيادة في ثمن السلعة عن مواطأة لرفع ثمنها . وعن ابن عمر عند مالك قال : النجش أن تعطيه في السلعة أكثر من ثمنها وليس في نفسك اشتراء فيقتدي بك غيرك وفي الصحيحين عن أبي هريرة أن النبي () نهى أن يبيع حاضر لباد وأن يتناجشوا وفيهما من حديث ابن عمر قال : نهى النبي () عن النجش وأخرجه مالك أيضاً قلت : وعليه أهل العلم في المنهاج . ومن المنهي عنه النجش بأن يزيد في الثمن لا لرغبة بل ليخدع غيره فيشتريها وفي الوقاية كره النجش .

والبيع على البيع لحديث ابن عمر عند أحمد والنسائي أن النبي () قال : لا يبيع أحدكم على بيع أخيه وهو في الصحيحين أيضاً بنحو ذلك وفيهما أيضاً من حديث أبي هريرة مرفوعاً لا يبيع الرجل على بيع أخيه وقد ورد أن من باع من رجلين فهو للأول منهما أخرجه أحمد ، وأبو داود ، والنسائي ، والترمذي وحسنه ، وصححه أبو زرعة ، وأبو حاتم ، والحاكم . وفي الموطأ من حديث ابن عمر أن رسول الله () قال : لا يبع بعضكم على بعض قلت : وعليه الشافعي . وفي المنهاج . ومن المنهي عنه البيع على بيع غيره قبل لزومه بأن يأمر المشتري بالفسخ ليبيعه مثله ، والشراء على الشراء بأن يأمر البائع بالفسخ ليشتريه بأكثر . وفي شرح السنة عند الحنفية المراد بالبيع على بيع أخيه هو السوم لأن عنده خيار المكان لا يثبت بالبيع فلا يتصور بعد التواجب بيع الغير عليه .

وتلقي الركبان بأن يتلقى طائفة يحملون متاعاً إلى البلد فيشتريه منهم قبل قدومهم ومعرفتهم بالسعر وله الخيار إذا عرف الغبن كذا في المنهاج لحديث أبي هريرة عند مسلم وغيره قال : نهى النبي () أن يتلقى الجلب فإن تلقاه إنسان فابتاعه فصاحب السلعة فيها بالخيار إذا ورد السوق وفي الصحيحين من حديث ابن مسعود قال نهى النبي () عن تلقي البيوع وفيهما أيضاً نحو ذلك من حديث ابن عمر ، وابن عباس . وفي الموطأ من حديث أبي هريرة أن رسول الله () قال : لا تلقوا الركبان للبيع ولا يبع بعضكم على بعض ولا تناجشوا ولا يبع حاضر لباد ولا تصروا الأبل والغنم قلت : وعليه أهل العلم .

والإحتكار لحديث ابن عمر عند أحمد ، والحاكم ، وابن أبي شيبة ، والبزار ، وأبي يعلى مرفوعاً من احتكر الطعام أربعين ليلة فقد برىء من الله وبرىء الله منه وفي إسناده أصبغ بن زيد وفيه مقال . وأخرج مسلم وغيره من حديث معمر بن عبد الله مرفوعاً لا يحتكر إلا خاطيء وأخرج نحوه أحمد ، والحاكم من حديث أبي هريرة . قلت : وعليه أهل العلم . قال النووي في شرح مسلم : قال أصحابنا : الاحتكار المحرم هو الاحتكار في الأقوات خاصة ، وهو أن يشتري الطعام في وقت الغلاء ، ولا يبيعه في الحال بل يدخره ليغلو ثمنه ، فأما إذا إشتراه أو جاء من قرية وقت الرخص وادخره ، أو ابتاعه في وقت الغلاء لحاجته إلى أكله ، أو ابتاعه ليبيعه في الوقت فليس باحتكار ولا تحريم فيه . وأما غير الأقوات فلا يحرم الإحتكار فيه بكل حال هذا تفصيل مذهبنا . وفي الهداية يكره الإحتكار في أقوات الآدمي والبهائم إذا كان ذلك في بلد يضر الإحتكار بأهله ، ومن احتكر غلة ضيعته أو جلبه من بلد آخر فليس بمحتكر .

أقول : الحق أن الأحاديث المطلقة في تحريم الاحتكار مقيدة بالطعام فلا يصح ما قيل من تحريم احتكار قوت البهائم ، والقياس له على قوت الآدمي قياس مع الفارق ، ولا يكون الإحتكار محرماً إذا كان لقصد أن يغلي ذلك على المسلمين كما ورد في حديث أبي هريرة عند أحمد ، والحاكم فاعتبار هذا القيد لا بد منه فمن لم يقصد ذلك لم يحرم عليه الإحتكار وظاهره أن القاصد بإحتكاره غلاء الأسعار على المسلمين داخل تحت النهي والوعيد سواء كان بالمسلمين حاجة أم لا لأن هذا القصد بمجرده كاف . وأما إجبار المحتكر على البيع فجائز إن لم يكن واجباً لأنه من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهما واجبان على كل مكلف .

والتسعير لحديث أنس عند أحمد ، وأبو داود ، والترمذي ، وابن ماجه، والدارمي والبزار ، وأبي يعلى أن السعر غلا على عهد رسول الله () فقالوا : يارسول الله سعر لنا فقال : أن الله هو المسعر القابض الباسط الرزاق وأني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد منكم يطالبني بمظلمة في دم ولا مال وصححه ابن حبان والترمذي وفي الباب أحاديث . وفي الهداية ولا ينبغي للسلطان أن يسعر على الناس فإن كان أرباب الطعام يتحكمون ويتعدون في القيمة تعدياً فاحشاً وعجز القاضي عن صيانة حقوق المسلمين إلا بالتسعير فحينئذ لا بأس به بمشورة من أهل الرأي والبصر انتهى .

ويجب وضع الجوائح الجائحة الآفة التي تهلك الثمار والأموال لحديث جابر أن النبي () وضع الجوائح أخرجه أحمد ، والنسائي ، وأبو داود وأخرجه أيضاً مسلم بلفظ أمر بوضع الجوائح وفي لفظ لمسلم وغيره إن كنت بعت من أخيك ثمراً فأصابتها جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئاً بم تأخذ مال أخيك وفي الباب عن عائشة في الصحيحين ، وعن أنس فيهما أيضاً ، وقد ذهب إلى ذلك الشافعي ، وأبو حنيفة ، والليث ، وسائر الكوفيين . قلت : وهو عند أبي حنيفة على الاستحباب ، وعند الشافعي في القديم على الوجوب ، وفي الجديد على الاستحباب .

ولا يحل سلف وبيع قال مالك : وتفسير ذلك أن يقول الرجل للرجل آخذ سلعتك بكذا وكذا على أن تسلفني كذا وكذا فإن عقدا بيعهما على هذا فهو غير جائز . فإن ترك الذي اشترط السلف ما اشترط منه ، كان ذلك البيع جائزاً . قلت : وعليه أهل العلم . ، وفي شرح السنة هو أن يقول . أبيعك هذا الثوب بعشرة دراهم على أن تقرضني عشرة دراهم ، والمراد بالسلف هنا القرض فهذا فاسد لأنه جعل العشرة وفي القرض ثمناً للثوب فإذا بطل الشرط سقط بعض الثمن وصار ما يبقى من المبيع بمقابلة الباقي مجهولاً. قال الماتن : قال مالك : هو أي السلف هنا ، أن تقرض قرضاً ثم تبايعه عليه بيعاً يزداد عليه وهو فاسد ، لأنه إنما تقرضه على أن تحابيه في الثمن . وقد يكون السلف بمعنى السلم وذلك مثل : أن تقول أبيعك عبدي هذا بألف على أن تسلفني ماله في كذا وكذا انتهى .

ولا شرطان في بيع لحديث عبد الله بن عمرو أن النبي () قال : لا يحل سلف وبيع ، ولا شرطان في بيع ، ولا ربح ما لم يضمن ، ولا بيع ما ليس عندك أخرجه أحمد ، وأبو داود ، والنسائي ، والترمذي وصححه ، وكذلك صححه ابن خزيمة ، والحاكم . والشرطان في بيع أن يقول بعتك هذا بألف إن كان نقداً وبألفين إن كان نسيئة . وقيل هو أن يقول بعتك ثوبي بكذا وعلي قصارته وخياطته . وفي الحجة البالغة : ومعنى الشرطين أن يشترط حقوق البيع ويشترط أن يشترط حقوق البيع ويشترط شيئاً خارجاً منها مثل : أن يهبه كذا أو يشفع له إلى فلان ، أو إن احتاج إلى بيعه لم يبع إلا منه ، ونحو ذلك . فهذان شرطان في صفقة واحدة .

ولا بيعتان في بيعة لحديث أبي هريرة عند أحمد ، والنسائي ، وأبو داود ، والترمذي وصححه أن النبي () نهى عن بيعتين في بيعة ولفظ أبو داود من باع بيعتين في بيعة فله أو كسهما أو الربا وأخرجه أحمد من حديث عبد الله بن مسعود قال : نهى النبي صلى الله عليه تعالى عليه وآله وسلم عن صفقتين في صفقة قال سماك هو الرجل يبيع البيع فيقول بنسء كذا وبنقد كذا ورجاله رجال الصحيح وما ذكره سماك هو معنى البيعتين في بيعة وقد تقدم تفسير الشرطين في بيعة بمثل هذا وليس بصحيح . بل المراد بالشرطين في بيعة أن البيع واحد شرط فيه شرطان وهنا البيع بيعان . قلت : وفي شرح السنة فسروا البيعتين في بيعة على وجهين : أحدهما أن يقول بعتك هذا الثوب بعشرة نقداً أو بعشرين نسيئة إلى سنة فهو فاسد عند أكثر أهل العلم . فإذا باعه على أحد الأمرين في المجلس فهو صحيح لا خلاف فيه ، والآخر أن يقول بعتك عبدي هذا بعشرين ديناراً على أن تبيعني جاريتك فهذا فاسد ، لأنه جعل ثمن العبد عشرين ديناراً وشرك بيع الجارية ، وذلك شرط لا يلزم وإذا لم يلزم ذلك بطل بعض الثمن فيصير ما بقي من المبيع في مقابلة الباقي مجهولاً . أما إذا جمع بين شيئين في صفقة واحدة بأن باع داراً وعبداً بثمن واحد فهو جائز وليس من باب البيعتين في بيعة إنما هي صفقة واحدة جمعت شيئين . وأما بيع الشئ بأكثر من سعر يومه مؤجلاً فأقول الزيادة على سعر يوم البيع ليست من الربا في ورد ولا صدر لأن الربا زيادة أحد المتساويين على الآخر ولا تساوي بين الشئ وثمنه مع إختلاف جنسهما فلا يصح أن يكون تحريم هذه الصورة لكونها رباً . فإن قيل أن تحريمها لكونه الزيادة في مقابل التنفيس بالأجل فقط فلا يخفى أن تحريم مثل ذلك مفتقر إلى دليل ، والمسألة محتملة للبسط ، وقد أفردها الماتن برسالة مستقلة سماها شفاء العلل في حكم الزيادة لأجل الأجل . ولكن يمكن الإستدلال لهذا المنع بما أخرجه أحمد ، والنسائي ، والترمذي وصححه من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله () : من باع بيعتين في بيعة فله أو كسهما أو الربا وبما أخرجه أحمد ، والبزار والطبراني في الكبير والأوسط عن سماك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال : نهى النبي () عن صفقتين في صفقة قال : سماك هو الرجل يبيع المبيع فيقول : هو بنساء كذا وهو بنقد كذا قال في مجمع الزوائد : رجال أحمد ثقات ، فهذان الحديثان قد دلا على أن الزيادة لأجل النساء ممنوعة ولهذا قال : فله أو كسهما أو الربا والأعيان التي هي غير ربوية داخلة في عموم الحديثين . وقد ذهب الجمهور : إلى جواز بيع الشئ بأكثر من بيع يومه لأجل النساء ، ونازعوا في دلالة الحديثين المذكورين على محل النزاع

وربح ما لم يضمن لما تقدم في دليل لا يحل سلف وبيع وهو أن يبيع شيئاً لم يدخل في ضمانه كالبيع قبل القبض .

وبيع ما ليس عند البائع لحديث حكيم بن حزام قال : قلت يا رسول الله يأتيني الرجل فيسألني عن البيع ليس عندي أبيعه منه ثم أبتاعه من السوق فقال لا تبع ما ليس عندك أخرجه أحمد وأهل السنن وصححه الترمذي وابن ماجه والمراد بقوله : ما ليس عندك أي ما ليس في ملكك وقدرتك وفي معنى بيع ما ليس عنده أن يبيع مال غيره بغير إذنه لأنه غرر لا يدري هل يجيزه غيره أولاً وهو قول الشافعي . وقال أبو حنيفة : يجوز بيع الفضولي ويكون موقوفاً على إجازة المالك . وبيع القطوط عند أهل العلم لا يجوز حتى تصل إلى من كتبت له فيملك ثم يبيع القط الصك ومنه قوله تعالى : عجل لنا قطنا .

ويجوز بشرط عدم الخداع لحديث ابن عمر في الصحيحين قال : ذكر رجل لرسول الله () أنه يخدع في البيوع فقال : من بايعت فقل لا خلابة وفي الباب أحاديث . والخلابة الخديعة ، وظاهره أن من قال بذلك ثبت له الخيار سواء غبن أو لم يغبن .

والخيار في المجلس ثابت ما لم يتفرقا لحديث حكيم بن حزام في الصحيحين أن النبي () قال : البيعان بالخيار ما لم يتفرقا وفيهما أيضاً نحوه من حديث ابن عمر وأيضاً في الموطأ من حديث ابن عمر بلفظ أن رسول الله صلى الله عليه قال المتبايعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه ما لم يتفرقا إلا بيع الخيار وفي الباب أحاديث . وقد ذهب إلى إثبات خيار المجلس جماعة من الصحابة منهم علي وأبو برزة الأسلمي وابن عمر ، وابن عباس ، وأبو هريرة وغيرهم ، ومن التابعين شريح الشعبي ، وطاوس ، وعطاء ، وابن أبي مليكة . نقل ذلك عنهم البخاري . ونقل ابن المنذر القول به أيضاً عن سعيد بن المسيب . والزهري وابن أبي ذئب من أهل المدينة . وعن الحسن البصري ، والأوزاعي ، وابن جريج وغيرهم . وبالغ ابن حزم فقال : لا يعرف لهم مخالف من التابعين إلا النخعي وحده ، وحكاه صاحب البحر أيضاً عن الشافعي، وأحمد ، وإسحق ، وأبي ثور . وذهب الحنفية والمالكية وغيرهم إلى أنها إذا وجبت الصفقة فلا خيار والحق القول الأول

الروضة الندية شرح الدرر البهية - كتاب البيع
تعريف البيع | باب الربا | باب الخيارات | باب السلم | باب القرض