إحياء علوم الدين/كتاب أسرار الصلاة ومهماتها/الباب السابع

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة



الباب السابع

في النوافل من الصلوات


اعلم أن ما عدا الفرائض من الصلوات ينقسم إلى ثلاثة أقسام: سنن ومستحبات وتطوعات. ونعني بالسنن ما نقل عن رسول الله المواظبة عليه كالرواتب عقيب الصلوات وصلاة الضحى والوتر والتهجد وغيرها؛ لأن السنة عبارة عن الطريق المسلوكة. ونعني بالمستحبات ما ورد الخبر بفضله ولم ينقل المواظبة عليه - كما سننقله في صلوات الأيام والليالي في الأسبوع - وكالصلاة عند الخروج من المنزل والدخول فيه وأمثاله. ونعني بالتطوعات ما وراء ذلك مما لم يرد في عينه أثر ولكنه تطوع به العبد من حيث رغب في مناجاة الله عز وجل بالصلاة التي ورد الشرع بفضلها مطلقاً؛ فكأنه متبرع به إذا لم يندب إلى تلك الصلاة بعينها وإن ندب إلى الصلاة مطلقاً، والتطوع عبارة عن التبرع. وسميت الأقسام الثلاثة نوافل من حيث إن النفل هو الزيادة وجملتها زائد على الفرائض. فلفظ: النافلة والسنة والمستحب والتطوع؛ أردنا الاصطلاح عليه لتعريف هذه المقاصد. ولا حرج على من يغير هذا الاصطلاح فلا مشاحة في الألفاظ بعد فهم المقاصد. وكل قسم من هذه الأقسام تتفاوت درجاته في الفضل بحسب ما ورد فيها من الأخبار والآثار المعرفة لفضلها وبحسب طول مواظبة رسول الله عليها وبحسب صحة الأخبار الواردة فيها واشتهارها، ولذلك يقال سنن الجماعات أفضل من سنن الانفراد. وأفضل سنن الجماعات: صلاة العيد ثم الكسوف ثم الاستسقاء. وأفضل سنن الانفراد: الوتر ثم ركعتا الفجر ثم ما بعدهما من الرواتب على تفاوتها. واعلم أن النوافل باعتبار الإضافة إلى معلقاتها تنقسم إلى ما يتعلق بأسباب كالكسوف والاستسقاء وإلى ما يتعلق بأوقات، والمتعلق بالأوقات ينقسم إلى ما يتكرر بتكرر اليوم والليلة أو بتكرر الأسبوع أو بتكرر السنة فالجملة أربع أقسام.

القسم الأول[عدل]

ما يتكرر بتكرر الأيام والليالي[عدل]

وهي ثمانية، خمسة هي رواتب الصلوات الخمس، وثلاثة وراءها وهي صلاة الضحى وإحياء ما بين العشاءين والتهجد

الأولى راتبة الصبح وهي ركعتان قال رسول الله "ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها" ويدخل وقتها بطلول الفجر الصادق وهو المستطير دون المستطيل. وإدراك ذلك بالمشاهدة عسير في أوله إلا أن يتعلم منازل القمر أو يعلم اقتراع طلوعه بالكواكب الظاهرة للبصر. فيستدل بالكواكب عليه. ويعرف بالقمر في ليلتين من الشهر فإن القمر يطلع مع الفجر ليلة ست وعشرين، ويطلع الصبح مع غروب القمر ليلة اثني عشر من الشهر هذا هو الغالب، ويتطرق إليه تفاوت في بعض البروج وشرح ذلك يطول. وتعلم منازل القمر من المهمات للمريد حتى يطلع به على مقادير الأوقات بالليل وعلى الصبح، ويفوت وقت ركعتي الفجر بفوات وقت فريضة الصبح وهو طلوع الشمس، ولكن السنة أداؤهما قبل الفرض. فإن دخل المسجد وقد قامت الصلاة فليشتغل بالمكتوبة فإنه قال "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة" ثم إذا فرغ من المكتوبة قام إليهما وصلاهما. والصحيح أنهما أداء ما وقعتا قبل طلوع الشمس لأنهما تابعتان للفرض في وقته وإنما الترتيب بينهما سنة في التقديم والتأخير إذا لم يصادف جماعة. فإذا صادف جماعة انقلب الترتيب وبقيتا أداء. والمستحب أن يصليهما في المنزل ويخففهما، ثم يدخل المسجد ويصلي ركعتين تحية المسجد، ثم يجلس ولا يصلي إلى أن يصلي المكتوبة. وفيما بين الصبح إلى طلوع الشمس الأحب فيه الذكر والفكر والاقتصار على ركعتي الفجر والفريضة الثانية راتبة الظهر وهي ست ركعات: ركعتان بعدها وهي أيضاً سنة مؤكدة، وأربع قبلها وهي أيضاً سنة وإن كانت دون الركعتين الأخيرتين. روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي أنه قال "من صلى أربع ركعات بعد زوال الشمس يحسن قراءتهن وركوعهن وسجودهن صلى معه سبعون ألف ملك يستغفرون له حتى الليل" وكان لا يدع أربعاً بعد الزوال يطيلهن ويقول إن أبواب السماء تفتح في هذه الساعة فأحب أن يرفع لي فيها عمل" رواه أبو أيوب الأنصاري وتفرد به، ودل عليه أيضاً ما روت أم حبيبة زوج النبي أنه قال "من صلى في كل يوم اثنتي عشرة ركعة غير المكتوبة بني له بيت في الجنة ركعتين قبل الفجر وأربعاً قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين قبل العصر وركعتين بعد المغرب" وقال ابن عمر رضي الله عنهما: حفظت من رسول الله في كل يوم عشر ركعات فذكر ما ذكرته أم حبيبة رضي الله عنها إلا ركعتي الفجر فإنه قال: تلك ساعة لم يكن يدخل فيها على رسول الله ولكن حدثتني أختي حفصة رضي الله عنها أنه كان يصلي ركعتين في بيتها ثم يخرج. وقال في حديثه: ركعتين قبل الظهر وركعتين بعد العشاء. فصارت الركعتان قبل الظهر آكد من جملة الأربعة. ويدخل وقت ذلك بالزوال. والزوال يعرف بزيادة ظل الأشخاص المنتصبة مائلة إلى جهة الشرق، إذ يقع للشخص ظل عند الطلوع في جانب المغرب يستطيل فلا تزال الشمس ترتفع والظل ينقص وينحرف عن جهة المغرب إلى أن تبلغ الشمس منتهى ارتفاعها وهو قوس نصف النهار فيكون ذلك منتهى نقصان الظل. فإذا زالت الشمس عن منتهى الارتفاع أخذ الظل في الزيادة فمن حيث صارت الزيادة مدركة بالحس دخل وقت الظهر. ويعلم قطعاً أن الزوال في علم الله سبحانه وقع قبله ولكن التكاليف لا ترتبط إلا بما يدخل تحت الحس. والقدر الباقي من الظل الذي منه يأخذ في الزيادة يطول في الشتاء ويقصر في الصيف، ومنتهى طوله بلوغ الشمس أول الجدي، ومنتهى قصره بلوغها أول السرطان. ويعرف ذلك بالأقدام والموازين. ومن الطرق القريبة من التحقيق لمن أحسن مراعاته أن يلاحظ القطب الشمالي بالليل ويضع على الأرض لوحاً مربعاً وضعاً مستوياً بحيث يكون أحد أضلاعه من جانب القطب، بحيث لو توهمت سقوط حجر من القطب إلى الأرض ثم توهمت خطاً من مسقط الحجر إلى الضلع الذي يليه من اللوح لقام الخط على الضلع على زاويتين قائمتين أي لا يكون الخط مائلاً إلى أحد الضلعين، ثم تنصب عموداً على اللوح نصباً مستوياً في موضع علامة 5 وهو بإزاء القطب فيقع ظله على اللوح في أول النهار مائلاً إلى جهة المغرب في صوب خط أ ثم لا يزال يميل إلى أن ينطبق على خط ب، بحيث لو مد رأسه لانتهى على الاستقامة إلى مسقط الحجر، ويكون موازياً للضلع الشرقي

والغربي غير مائل إلى أحدهما، فإذا بطل ميله إلى الجانب الغربي فالشمس في منتهى الارتفاع، فإذا انحرف الظل عن الخط الذي على اللوح إلى جانب الشرق فقد زالت الشمس. وهذا يدرك بالحس تحقيقاً في وقت هو قريب من أول الزوال في علم الله تعالى، ثم يعلم على رأس الظل عند انحرافه علامة، فإذا صار الظل من تلك العلامة مثل العمود دخل وقت العصر فهذا القدر لابأس بمعرفته في علم الزوال وهذه صورته:

الثالثة راتبة العصر وهي أربع ركعات قبل العصر. روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي أنه قال "رحم الله عبداً صلى قبل العصر أربعاً" ففعل ذلك على رجاء الدخول في دعوة رسول الله مستحب استحباباً مؤكداً فإن دعوته تستجاب لا محالة له. ولم تكن مواظبته على السنة قبل العصر كمواظبته على ركعتين قبل الظهر الرابعة راتبة المغرب وهما ركعتان بعد الفريضة لم تختلف الرواية فيهما، وأما ركعتان قبلها بين أذان المؤذن وإقامة المؤذن على سبيل المبادرة فقد نقل عن جماعة من الصحابة كأبي بن كعب وعبادة بن الصامت وأبي ذر وزيد بن ثابت وغيرهم قال عبادة أو غيره: كان المؤذن إذا أذن لصلاة المغرب ابتدر أصحاب رسول الله السواري يصلون ركعتين وقال بعضهم: كنا نصلي الركعتين قبل المغرب حتى يدخل الداخل فيحسب أنا صلينا فيسأل أصليتم المغرب? وذلك يدخل في عموم قوله "بين كل أذانين صلاة لمن شاء" وكان أحمد بن حنبل يصليهما فعابه الناس فتركهما فقيل له في ذلك فقال: لم أر الناس يصلونهما، فتركتهما وقال: لئن صلاهما الرجل في بيته أو حيث لا يراه الناس فحسن. ويدخل وقت المغرب بغيبوبة الشمس عن الأبصار في الأراضي المستوية التي ليست محفوفة بالجبال فإن كانت محفوفة بها في جهة المغرب فيتوقف إلى أن يرى إقبال السواد من جانب المشرق قال "إذا أقبل الليل من ههنا وأدبر النهار من ههنا فقد أفطر الصائم" والأحب المبادرة في صلاة المغرب خاصة وإن أخرت وصليت قبل غيبوبة الشفق الأحمر وقعت أداء ولكنه مكروه. وأخر عمر رضي الله عنه صلاة المغرب ليلة حتى طلع نجم فأعتق رقبة وأخرها ابن عمر حتى طلع كوكبان فأعتق رقبتين الخامسة راتبة العشاء الآخرة أربع ركعات بعد الفريضة. قالت عائشة رضي الله عنها "كان رسول الله يصلي بعد العشاء الآخرة أربع ركعات ثم ينام" واختار بعض العلماء من مجموع الأخبار أن يكون عدد الرواتب سبع عشرة كعدد المكتوبة: ركعتان قبل الصبح وأربع قبل الظهر وركعتان بعدها وأربع قبل العصر وركعتان بعد المغرب وثلاث بعد العشاء الآخرة وهي الوتر ومهما عرفت الأحاديث الواردة فيه فلا معنى للتقدير فقد قال "الصلاة خير موضع فمن شاء أكثر ومن شاء أقل" فإذاً اختيار كل مريد من هذه الصلاة بقدر رغبته في الخير فقد ظهر فيما ذكرناه أن بعضها آكد من بعض، وترك الآكد أبعد لاسيما والفرائض تكمل بالنوافل فمن لم يستكثر منها يوشك أن لا تسلم له فريضة من غير جابر السادسة الوتر: قال أنس بن مالك "كان رسول الله يوتر بعد العشاء بثلاث ركعات، يقرأ في الأولى سبح اسم ربك الأعلى وفي الثانية قل يا أيها الكافرون وفي الثالثة قل هو الله أحد" وجاء في الخبر "أنه كان يصلي بعد الوتر ركعتين جالساً وفي بعضها متربعاً" وفي بعض الأخبار "إذا أراد أن يدخل فراشه زحف إليه وصلى فوقه ركعتين قبل أن يرقد يقرأ فيهما إذا زلزلت الأرض وسورة التكاثر" وفي رواية أخرى قل يا أيها الكافرون ويجوز الوتر مفصولاً وموصولاً، بتسليمة واحدة وتسليمتين: وقد أوتر رسول الله بركعة وثلاث وخمس وهكذا بالأوتار إلى إحدى عشرة ركعة والرواية مترددة في ثلاث عشرة وفي حديث شاذ "سبع عشرة ركعة" وكانت هذه الركعات - أعني ما سمينا جملتها وتراً - صلاة بالليل وهو التهجد والتهجد بالليل سنة مؤكدة - وسيأتي ذكر فضلها في كتاب الأوراد وفي الأفضل خلاف فقيل إن الإيتار بركعة فردة أفضل إذ صح أنه كان يواظب على الإيتار بركعة فردة وقيل الموصولة أفضل للخروج عن شبهة الخلاف لاسيما الإمام إذ قد يقتدي به من لا يرى الركعة الفردة صلاة، فإن صلى موصولاً نوى بالجميع الوتر وإن اقتصر على ركعة واحدة بعد ركعتي العشاء أو بعد فرض العشاء نوى اوتر وصح. لأن شرط الوتر أن يكون في نفسه وتراً وأن يكون موتراً لغيره مما سبق قبله وقد أوتر الفرض ولو أوتر قبل العشاء لم يصح أي لا ينال فضيلة الوتر الذي هو خير له من حمر النعم كما ورد به الخبر. وإلا فركع فردة صحيحة في أي وقت كان وإنما لم يصح قبل العشاء لأنه خرق إجماع الخلق في الفعل ولأنه لم يتقدم ما يصير به وتراً.

فأما إذا أراد أن يوتر بثلاث مفصولة ففي نيته في الركعتين نظر. فإنه إن نوى بهما التهجد أو سنة العشاء لم يكن هو من الوتر. وإن وى الوتر لم يكن هو في نفسه وتراً. وإنما الوتر ما بعده. ولكن الأظهر أن ينوي الوتر كما ينوي في الثلاث الموصولة الوتر. ولكن للوتر معنيان، أحدهما: أن يكون في نفسه وتراً، والآخر أن ينشأ ليجعل وتراً بما بعده فيكون مجموع الثلاثة وتراً، والركعتان من جملة الثلاث إلا أن وتريته موقوفة على الركعة الثالثة. وإذا كان هو على عزم أن يوترهما بثالثة كان له أن ينوي بهما الوتر. والركعة الثالثة وتر بنفسها وموترة لغيرها. والركعتان لا يوتران غيرهما وليستا وتراً بأنفسهما ولكنهما موترتان بغيرهما. والوتر ينبغي أن يكون آخر صلاة الليل فيقع بعد التهجد. وسيأتي فضائل الوتر والتهجد وكيفية الترتيب بينهما في كتاب ترتيب الأوراد السابعة صلاة الضحى: فالمواظبة عليها من عزائم الأفعال وفواضلها، أما عدد ركعاتها فأكثر ما نقل فيه ثمان ركعات. روت أم هانىء أخت علي بن أبي طالب رضي الله عنهما "أنه صلى الضحى ثماني ركعات أطالهن وحسنهن" ولم ينقل هذا القدر غيرها. فأما عائشة رضي الله عنها فإنها ذكرت "أنه كان يصلي الضحى أربعاً ويزيد ما شاء الله سبحانه" فلم تحد الزيادة أي أنه كان يواظب على الأربعة ولا ينقص منها وقد يزيد زيادات. وروي في حديث مفرد أن النبي كان يصلي الضحى ست ركعات" وأما وقتها فقد روى علي رضي الله عنه "أنه كان يصلي الضحى ستاً في وقتين، إذا أشرقت الشمس وارتفعت قام وصلى ركعتين - وهو أول لورد الثاني من أوراد النهار كما سيأتي - وإذا انبسطت الشمس وكانت في ربع السماء من جانب الشرق صلى أربعاً" فالأول إنما يكون إذا ارتفعت الشمس قيد نصف رمح والثاني إذا مضى من النهار ربعه بإزاء صلاة العصر فإن وقته أن يبقى من النهار ربعه، والظهر على منتصف النهار، ويكون الضحى على منتصف ما بين طلوع الشمس إلى الزوال، كما أن العصر على منتصف ما بين الزوال إلى الغروب. وهذا أفضل الأوقات. ومن وقت ارتفاع الشمس إلى ما قبل الزوال وقت للضحى على الجملة. الثامنة إحياء ما بين العشاءين وهي سنة مؤكدة ومما نقل عدده من فعل رسول الله بين العشاءين ست ركعات ولهذه الصلاة فضل عظيم. وقيل إنها المراد بقوله عز وجل "تتجافى جنوبهم عن المضاجع" وقد روي عنه أنه قال "من صلى بين المغرب والعشاء فإنها من صلاة الأوابين" وقال "من عكف نفسه فيما بين المغرب والعشاء في مسجد جماعة لم يتكلم إلا بصلاة أو بقرآن كان حقاً على الله أن يبني له قصرين في الجنة مسيرة كل قصر منهما مائة عام ويغرس له بينهما غراساً لو طافه أهل الأرض لوسعهم" وسيأتي بقية فضائلها في كتاب الأوراد إن شاء الله تعالى.

القسم الثاني[عدل]

ما يتكرر بتكرر الأسابيع[عدل]

وهي صلاة أيام الأسبوع ولياليه لكل يوم ولكل ليلة أما الأيام فنبدأ فيها بيوم الأحد. يوم الأحد: روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي أنه قال "من صلى يوم الأحد أربع ركعات يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب وآمن الرسول مرة كتب الله له بعدد كل نصراني ونصراينة حسنات وأعطاه الله ثواب نبي وكتب له حجة وعمرة وكتب له بكل ركعة ألف صلاة وأعطاه الله في الجنة بكل حرف مدينة من مسك أذفر" وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي أنه قال "وحدوا الله بكثرة الصلاة يوم الأحد فإنه سبحانه واحد لا شريك له فمن صلى يوم الأحد بعد صلاة الظهر أربع ركعات بعد الفريضة والسنة يقرأ في الأولى فاتحة الكتاب وتنزيل السجدة، وفي الثانية فاتحة الكتاب وتبار الملك ثم تشهد وسلم ثم قام فصلى ركعتين أخريين يقرأ فيهما فاتحة الكتاب وسورة الجمعة وسأل الله سبحانه حاجته كان حقاً على الله أن يقضي حاجته".

يوم الاثنين: روى جابر عن رسول الله أنه قال "من صلى يوم الاثنين عند ارتفاع النهار ركعتين يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة وآية الكرسي مرة وقل هو الله أحد والمعوذتين مرة مرة فإذا سلم استغفر الله عشر مرات وصلى على النبي عشر مرات غفر الله تعالى له ذنوبه كلها" وروى أنس ابن مالك عن النبي أنه قال "من صلى يوم الاثنين ثنتي عشرة ركعة يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وآية الكرسي مرة فإذا فرغ قرأ قل هو الله أحد اثنتي عشرة واستغفر اثنتين عشرة مرة ينادى به يوم القيامة: أين فلان بن فلان ليقم فليأخذ ثوابه من الله عز وجل? فأول ما يعطى من الثواب ألف حلة ويتوج ويقال له ادخل الجنة فيستقبله مائة ألف ملك مع كل ملك هدية يشيعونه حتى يدور على ألف قصر من نور يتلألأ" يوم الثلاثاء: روى يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك قال "قال رسول الله : من صلى يوم الثلاثاء عشر ركعات عند انتصاف النهار" وفي حديث آخر "عند ارتفاع النهار يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وآية الكرسي مرة وقل هو الله أحد ثلاث مرات لم تكتب عليه خطيئة إلى سبعين يوماً فإن مات إلى سبعين يوماً مات شهيداً وغفر له ذنوب سبعين سنة.

يوم الأربعاء: روى أبو إدريس الخولاني عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله "من صلى يوم الأربعاء ثنتي عشرة ركعة عند ارتفاع النهار يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وآية الكرسي مرة وقل هو الله أحد ثلاث مرات والمعوذتين ثلاث مرات نادى مناد عند العرش: يا عبد الله استأنف العمل فقد غفر لك ما تقدم من ذنبك ورفع الله سبحانه عنك عذاب القبر وضيقه وظلمته ورفع عنك شدائد القيامة، ورفع له من يومه عمل نبي".

يوم الخميس: عن عكرمة عن ابن عباس قال قال رسول الله : من صلى يوم الخميس بين الظهر والعصر ركعتين يقرأ في الأولى فاتحة الكتاب وآية الكرسي مائة مرة وفي الثانية فاتحة الكتاب وقل هو الله أحد مائة مرة ويصلي على محمد مائة مرة أعطاه الله ثواب من صام رجب وشعبان ورمضان وكان له من الثواب مثل حاج البيت وكتب له بعدد كل من آمن بالله سبحانه وتوكل عليه حسنه" يوم الجمعة، روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي أنه قال "يوم الجمعة صلاة كله ما من عبد مؤمن قام إذا استقلت الشمس وارتفعت قدر رمح أو أكثر من ذلك فتوضأ ثم أسبغ الوضوء فصلى سبحة الضحى ركعتين إيماناً واحتساباً إلا كتب الله له مائتي حسنة ومحا عنه مائتي سيئة ومن صلى أربع ركعات رفع الله سبحانه له في الجنة أربعمائة درجة ومن صلى ثماني ركعات رفع الله تعالى له في الجنة ثمانمائة درجة وغفر له ذنوبه كلها ومن صلى ثنتي عشرة ركعة كتب الله له ألفين ومائتي حسنة ومحا عنه ألفين ومائتي سيئة ورفع له في الجنة ألفين ومائتي درجة" وعن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي أنه قال "من دخل الجامع يوم الجمعة فصلى أربع ركعات قبل صلاة الجمعة يقرأ في كل ركعة الحمد لله وقل هو الله أحد خمسين مرة لم يمت حتى يرى مقعده من الجنة أو يرى له".

يوم السبت: روى أبو هريرة أن النبي قال "من صلى يوم السبت أربع ركعات يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة وقل هو الله أحد ثلاث مرات فإذا فرغ قرأ آية الكرسي كتب الله له بكل حرف حجة وعمرة ورفع له بكل حرف أجر سنة صيام نهارها وقيام ليلها وأعطاه الله عز وجل بكل حرف ثواب شهيد وكان تحت ظل عرش الله مع النبيين والشهداء".

وأما الليالي. ليلة الأحد: روى أنس بن مالك في ليلة الأحد أنه قال "من صلى ليلة الأحد عشرين ركعة يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وقل هو الله أحد خمسين مرة والمعوذتين مرة مرة واستغفر الله عز وجل مائة مرة واستغفر لنفسه ولوالديه مائة مرة وصلى على النبي مائة مرة وتبرأ من حوله وقوته والتجأ إلى الله ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن آدم صفوة الله وفطرته وإبراهيم خليل الله وموسى كليم الله وعيسى روح الله ومحمداً حبيب الله كان له من الثواب بعدد من دعا لله ولداً ومن لم يدع لله ولداً وبعثه الله عز وجل يوم القيامة مع الآمنين وكان حقاً على الله تعالى أن يدخله الجنة مع النبيين".

ليلة الإثنين: روى الأعمش عن أنس قال قال رسول الله "من صلى ليلة الإثنين أربع ركعات يقرأ في الركعة الأولى الحمد لله وقل هو الله أحد عشر مرات، وفي الركعة الثانية الحمد لله وقل هو الله أحد عشرين مرة، وفي الثالثة الحمد لله وقل هو الله أحد ثلاثين مرة، وفي الرابعة الحمد لله وقل هو الله أحد أربعين مرة ثم يسلم ويقرأ هو الله أحد خمساً وسبعين مرة واستغفر الله لنفسه ولوالديه خمساً وسبعين مرة ثم سأل الله حاجته كا حقاً على الله أن يعطيه سؤله ما سأل" وهي صلاة الحاجة.

ليلة الثلاثاء: من صلى ركعتين يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وقل هو الله أحد والمعوذتين خمس عشرة مرة، ويقرأ بعد التسليم خمس عشرة مرة آية الكرسي واستغفر الله تعالى خمس عشرة مرة كان له ثواب عظيم وأجر جسيم. وروي عن عمر رضي الله عنه عن النبي أنه قال "من صلى ليلة الثلاثاء ركعتين يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة وإنا أنزلناه وقل هو الله أحد سبع مرات أعتق الله رقبته من النار ويكون يوم القيامة قائده ودليله إلى الجنة".

ليلة الأربعاء: روت فاطمة رضي الله عنها عن النبي أنه قال "من صلى ليلة الأربعاء ركعتين يقرأ في الأول فاتحة الكتاب وقل أعوذ برب الفلق عشر مرات، وفي الثانية بعد الفاتحة قل أعوذ برب الناس عشر مرات ثم إذا سلم استغفر الله عشر مارت ثم يصلي على محمد عشر مرات نزل من كل سماء سبعون ألف ملك يكتبون ثوابه إلى يوم القيامة" وفي حديث آخر "ست عشرة ركعة يقرأ بعد الفاتحة ما شاء الله ويقرأ في آخر الركعتين آية الكرسي ثلاثين مرة وفي الأوليين ثلاثين مرة قل هو الله أحد يشفع في عشرة من أهل بيته كلهم وجبت عليهم النار" وروت فاطمة رضي الله عنها أنها قالت "قال رسول الله : من صلى ليلة الأربعاء ست ركعات قرأ في ركعة بعد الفاتحة قل اللهم مالك الملك إلى آخر الآية فإذا فرغ من صلاته يقول جزى الله محمداً عنا ما هو أهله غفر له ذنوب سبعين سنة وكتب له براءة من النار".

ليلة الخميس: قال أبو هريرة رضي الله عنه "قال النبي : من صلى ليلة الخميس ما بين المغرب والعشاء ركعتين يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وآية الكرسي خمس مرات وقل هو الله أحد خمس مرات والمعوذتين خمس مرات فإذا فرغ من صلاته استغفر الله تعالى خمس عشر مرة وجعل ثوابه لوالديه فقد أدى حق والديه عليه وإن كان عاقاً لهما وأعطاه الله تعالى ما يعطي الصديقين والشهداء".

ليلة الجمعة: قال جابر "قال رسول الله : من صلى ليلة الجمعة بين المغرب والعشاء اثنتي عشرة ركعة يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة وقل هو الله أحد إحدى عشرة مرة فكأنما عبد الله تعالى اثنتي عشرة سنة صيام نهارها وقيام ليلها" وقال أنس "قال النبي : من صلى ليلة الجمعة صلاة العشاء الآخرة في جماعة وصلى ركعتي السنة ثم صلى بعدهما عشر ركعات قرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وقل هو الله أحد والمعوذتين مرة مرة ثم أوتر بثلاث ركعات ونام على جنبه الأيمن تتوجهه إلى القبلة فكأنما أحيا ليلة القدر" وقال "أكثروا من الصلاة علي في الليلة الغراء واليوم الأزهر ليلة الجمعة ويوم الجمعة".

ليلة السبت: قال أنس "قال رسول الله : من صلى ليلة السبت بين المغرب والعشاء اثنتي عشرة ركعة بنى له قصر في الجنة وكأنما تصدق على كل مؤمن ومؤمنة وتبرا من اليهود وكان حقاً على الله أن يغفر له".

القسم الثالث[عدل]

ما يتكرر بتكرر السنين[عدل]

وهي أربعة: صلاة العيدين والتراويح وصلاة رجب وشعبان الأولى صلاة العيدين: وهي سنة مؤكدة وشعار من شعائر الدين وينبغي أن يراعى فيها سبعة أمور؛ التكبير ثلاثاً نسقاً فيقول "الله أكبر الله أكبر الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرة وأصيلاً لا إله إلا الله وحده لا شريك له مخلصين له الدين ولو كره الكافرون" يفتتح بالتكبير ليلة الفطر إلى الشروع في صلاة العيد، وفي العيد الثاني يفتتح التكبير عقيب الصبح يوم عرفة إلى آخر النهار يوم الثالث عشر، وهذا أكمل الأقاويل. ويكبر عقيب الصلوات المفروضة وعقيب النوافل وهو عقيب الفرائض آكد: الثاني: إذا أصبح يوم العيد يغتسل ويتزين ويتطيب كما ذكرناه في الجمعة والرداء والعمامة هو الأفضل للرجال، وليجنب الصبيان الحرير والعجائز التزين عند الخروج. الثالث: أن يخرج من طريق ويرجع من طريق آخر هكذا فعل رسول الله وكان "يأمر بإخراج العواتق وذوات الخدور". الرابع المستحب الخروج إلى الصحراء إلا بمكة وبيت المقدس، فإن كان يوم مطر فلابأس بالصلاة في المسجد، ويجوز في يوم الصحو أن يأمر الإمام رجلاً يصلي بالضعفة في المسجد ويخرج بالأقوياء مكبرين. الخامس: يراعي الوقت فوقت صلاة العيد ما بين طلوع الشمس إلى الزوال. ووقت الذبح للضحايا ما بين ارتفاع الشمس بقدر خطبتين وركعتين إلى آخر اليوم الثالث عشر. ويستحب تعجيل صلاة الأضحى لأجل الذبح وتأخير صلاة الفطر لأجل تفريق صدقة الفطر قبلها. هذه سنة رسول الله . السادس: في كيفية الصلاة فليخرج الناس مكبرين في الطريق. وإذا بلغ الإمام المصلى لم يجلس ولم يتنفل ويقطع الناس التنفل. ثم ينادي مناد: الصلاة جامعة. ويصلي الإمام بهم ركعتين يكبر في الأولى سوى تكبيرة الإحرام والركوع سبع تكبيرات يقول بين كل تكبيرتين "سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر" ويقول "وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض" عقيب تكبيرة الافتتاح ويؤخر الاستعاذة إلى ما وراء الثامنة ويقرأ "سورة ق" في الأولى بعد الفاتحة "واقتربت" في الثانية. والتكبيرات الزائدة في الثانية خمس سوى تكبيرتي القيام والركوع. وبين كل تكبيرتين ما ذكرناه. ثم يخطب خطبتين بينهما جلسة ومن فاتته صلاة العيد قضاها، السابع: أن يضحي بكبش "ضحى رسول الله بكبشين أملحين وذبح بيده وقال "بسم الله والله أكبر هذا عني وعمن لم يضح من أمتي" وقال : "من رأى هلال ذي الحجة وأراد أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئاً" قال أبو أيوب الأنصاري: كان الرجل يضحي على عهد رسول الله بالشاة عن أهل بيته ويأكلون ويطعمون. وله أن يأكل من الضحية بعد ثلاثة أيام فما فوق، وردت فيه الرخصة بعد النهي عنه. وقال سفيان الثوري: يستحب أن يصلي بعد عيد الفطر اثنتي عشرة ركعة وبعد عيد الأضحى ست ركعات وقال هو من السنة الثانية التراويح: وهي عشرون ركعة وكيفيتها مشهورة وهي سنة مؤكدة وإن كانت دون العيدين واختلفوا في أن الجماعة فيها أفضل أم الانفراد? وقد خرج رسول الله فيها ليلتين أو ثلاثاً للجماعة ثم لم يخرج وقال "أخاف أن توجب عليكم" وجمع عمر رضي الله عنه الناس عليها في الجماعة حيث أمن من الوجوب بانقطاع الوحي؛ فقيل إن الجماعة أفضل لفعل عمر رضي الله عنه ولأن الاجتماع بركة وله فضيلة بدليل الفرائض ولأنه ربما يكسل في الانفراد وينشط عند مشاهدة الجمع. وقيل الانفراد أفضل لأن هذه سنة ليست من الشعائر كالعيدين فإلحاقها بصلاة الضحى وتحية المسجد أولى ولم تشرع فيها جماعة. وقد جرت العادة بأن يدخل المسجد جمعاً معاً ثم لم يصلوا التحية بالجماعة ولقوله "فضل صلاة التطوع في بيته على صلاته في المسجد كفضل صلاة المكتوبة في المسجد على صلاته في البيت" وروي أنه قال "صلاة في مسجدي هذا أفضل من مائة صلاة في غيره من المساجد وصلاة في المسجد الحرام أفضل من ألف صلاة في مسجدي، وأفضل من ذلك كله رجل يصلي في زاوية بيته ركعتين لا يعلمها إلا الله عز وجل" وهذا لأن الرياء والتصنع ربما يتطرق إليه في الجمع ويأمن منه في الواحدة فهذا ما قيل فيه. والمختار أن الجماعة أفضل كما رآه

عمر رضي الله عنه. فإن بعض النوافل قد شرعت فيها الجماعة وهذا جدير بأن يكون من الشعائر التي تظهر. وأما الالتفات إلى الرياء في الجمع والكسل في الإنفراد عدول عن مقصود النظر في فضيلة الجمع من حيث إنه جماعة، وكأن قائله يقول: الصلاة خير من تركها بالكسل والإخلاص خير من الرياء. فلنفرض المسألة فيمن يثق بنفسه أنه لا يكسل لو انفرد ولا يرائي لو حضر الجمع فأيهما أفضل له? فيدور النظر بين بكرة الجمع وبين مزيد قوة الإخلاص وحضور القلب في الوحدة، فيجوز أن يكون في تفضيل أحدهما على الآخر تردد مما يستحب القنوت في الوتر في النصف الأخير من رمضان. أما صلاة رجب: فقد روي بإسناد عن رسول الله أنه قال "ما من أحد يصوم أول خميس من رجب ثم يصلي فيما بين العشاء والعتمة اثنتي عشرة ركعة يفصل بين كل ركعتين بتسليمة يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب مرة وإنا أنزلناه في ليلة القدر ثلاث مرات وقل هو الله أحد اثنتي عشرة مرة، فإذا فرغ من صلاته صلى علي سبعين مرة يقول: اللهم صل على محمد النبي الأمي وعلى آله ثم يسجد ويقول في سجوده سبعين مرة: سبوح قدوس رب الملائكة والروح، ثم يرفع رأسه ويقول سبعين مرة: رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز الأكرم، ثم يسجد سجدة أخرى ويقول فيها مثل ما قال في السجدة الأولى ثم يسأل حاجته في سجوده فإنها تقضى" قال رسول الله "لا يصلي أحد هذه الصلاة إلا غفر الله تعالى له جميع ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر وعدد الرمل ووزن الجبال وورق الأشجار ويشفع يوم القيامة في سبعمائة من أهل بيته ممن قد استوجب النار" فهذه صلاة مستحبة، وإنما أوردناها في هذا القسم لأنها تتكرر بتكرر السنين وإن كانت رتبتها لا تبلغ رتبة التراويح وصلاة العيد لأن هذه الصلاة نقلها الآحاد، ولكني رأيت أهل القدس بأجمعهم يواظبون عليها ولا يسمحون بتركها فأحببت إيرادها. وأما صلاة شعبان: فليلة الخامس عشر منه يصلي مائة ركعة كل ركعتين بتسليمة يقرأ في كل ركعة بعد الفاتحة قل هو الله أحد إحدى عشرة مرة، وإن شاء صلى عشر ركعات يقرأ في كل ركعة بعد الفاتحة مائة مرة قل هو الله أحد، فهذا أيضاً مروي في جملة الصلوات كان السلف يصلون هذه الصلاة ويسمونها صلاة الخير ويجتمعون فيها وربما صلوها جماعة. روي عن الحسن أنه قال: حدثني ثلاثون من أصحاب النبي أن من صلى هذه الصلاة هذه الليلة نظر الله إليه سبعين نظرة وقضى له بكل نظرة سبعين حاجة أدناها المغفرة

القسم الرابع من النوافل[عدل]

ما يتعلق بأسباب عارضية ولا يتعلق بالمواقيت[عدل]

وهي تسعة صلاة الخسوف والكسوف والاستسقاء وتحية المسجد وركعتي الوضوء وركعتين بين الأذان والإقامة وركعتين عند الخروج من المنزل والدخول فيه. ونظائر ذلك فنذكر منها ما يحضرنا الآن الأولى صلاة الخسوف: قال رسول الله "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله والصلاة" قال ذلك لما مات ولده إبراهيم وكسفت الشمس فقال الناس. إنما كسفت لموته. والنظر في كيفيتها ووقتها، أما الكيفية: فإذا كسفت الشمس في وقت الصلاة فيه مكروهة أو غير مكروهة نودي "الصلاة جامعة" وصلى الإمام بالناس في المسجد ركعتين وركع في كل ركعة ركوعين أوائلهما أطول من أواخرهما. ولا يجهر فيقرأ في الأولى من قيام الركعة الأولى الفاتحة والبقرة؛ وفي الثانية الفاتحة وآل عمران، وفي الثالثة الفاتحة وسورة النساء، وفي الرابعة الفاتحة وسروة المائدة، أو مقدار ذلك من القرآن من حيث أراد، ولو اقتصر على الفاتحة في كل قيام أجزأه ولو اقتصر على سور قصار فلابأس. ومقصود التطويل دوام الصلاة إلى الإنجلاء. ويسبح في الركوع الأول قدر مائة آية، وفي الثاني قدر ثمانين، وفي الثالث قدر سبعين، وفي الرابع قدر خمسين. وليكن السجود على قدر الركوع في كل ركعة. ثم يخطب خطبتين بعد الصلاة بينهما جلسة ويأمر الناس بالصدقة والعتق والتوبة. وكذلك يفعل بخسوف القمر إلا أنه يجهر فيها لأنها ليلية. فأما وقتها فعند ابتداء الكسوف إلى تمام الإنجلاء ويخرج وقتها بأن تغرب الشمس كاسفة.

وتفوت صلاة خسوف القمر بأن يطلع قرص الشمس إذ يبطل سلطان الليل ولا تفوت بغروب القمر خاسفاً لأن الليل كله سلطان القمر، فإن انجلى في أثناء الصلاة أتمها مخففة. ومن أدرك الركوع الثاني مع الإمام فقد فاتته تلك الركعة لأن الأصل هو الركوع الأول . الثانية صلاة الاستسقاء: فإذا غارت الأنهار وانقطعت الأمطار أو إنهارت قناة فيستحب للإمام أن يأمر الناس أولاً بالصيام ثلاثة أيام وما أطاقوا من الصدقة والخروج من المظالم والتوبة من المعاصي، ثم يخرج بهم في اليوم الرابع والعجائز والصبيان متنظفين في ثياب بذلة واستكانة متواضعين - بخلاف العيد - وقيل يستحب إخراج الدواب لمشاركتها في الحاجة ولقوله "لولا صبيان رضع ومشايخ ركع وبهائم رتع لصب عليكم العذاب صباً" ولو خرج أهل الذمة أيضاً متميزين لم يمنعوا فإذا اجتمعوا في المصلى الواصل من الصحراء نودي "الصلاة جامعة" فصلى بهم الإمام ركعتين مثل صلاة العيد - بغير تكبير - ثم يخطب خطبتين وبينهما جلسة خفيفة، وليكن الاستغفار معظم الخطبتين، وينبغي في وسط الخطبة الثانية، أن يستدبر الناس ويستقبل القبلة ويحول رداءه في هذه الساعة تفاؤلاً بتحويل الحال. هكذا فعل رسول الله فيجعل أعلاه أسفله وما على اليمين على الشمال وما على الشمال على اليمين. وكذلك يفعل الناس ويدعون في هذه الساعة سراً، ثم يستقبلهم فيختم الخطبة ويدعون أرديتهم محولة كما هي حتى ينزعوها متى نزعوا الثياب. ويقول في الدعاء: اللهم إنك أمرتنا بدعائك ووعدتنا إجابتك فقد دعوناك كما أمرتنا فأجبنا كما وعدتنا اللهم فامنن علينا بمغفرة ما قارفنا وإجابتك في سقيانا وسعة أرزاقنا. ولابأس بالدعاء أدبار الصلوات في الأيام الثلاثة قبل الخروج ولهذا الدعاء آداب وشروط باطنة من التوبة ورد المظالم وغيرها، وسيأتي ذلك في كتاب الدعوات الثالثة صلاة الجنائز: وكيفيتها مشهورة وأجمع دعاء مأثور ما روي في الصحيح عن عوف بن مالك قال "رأيت رسول الله صلى على جنازة فحفظت من دعائه: اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس وأبدله داراً خيراً من داره وأهلاً خيراً من أهله وزوجاً خيراً من زوجه وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر ومن عذاب النار" حتى قال عوف: تمنيت أن أكون أنا ذلك الميت. ومن أدرك التكبيرة الثانية فينبغي أن يراعي ترتيب الصلاة في نفسه ويكبر مع تكبيرات الإمام فإذا سلم الإمام قضى تكبيرة الذي فات كفعل المسبوق، فإنه لو بادر التكبيرات لم تبق للقدوة في هذه الصلاة معنى، فالتكبيرات هي الأركان الظاهرة، وجدير بأن تقام مقام الركعات في سائر الصلوات، هذا هو الأوجه عندي وإن كان غيره محتملاً.

والأخبار الواردة في فضل صلاة الجنازة وتشييعها مشهورة فلا نطيل بإيرادها، وكيف لا يعظم فضلها وهي من فرائض الكفايات? وإنما تصير نفلاً في حق من لم تتعين عليه بحضور غيره، ثم ينال بها فضل فرض الكفاية وإن لم يتعين لأنهم بجملتهم قاموا بما هو فرض الكفاية وأسقطوا الحرج عن غيرهم، فلا يكون ذلك كنفل لا يسقط به فرض عن أحد، ويستحب طلب كثرة الجمع تبركاً بكثرة الهمم والأدعية واشتماله على ذي دعوة مستجابة لما روى كريب عن ابن عباس: أنه مات له ابن فقال: يا كريب أنظر مااجتمع له الناس قال: فخرجت فإذا ناس قد اجتمعوا له فأخبرته فقال: تقول هم أربعون قلت: نعم، قال: أخرجوه فإنس سمعت رسول الله يقول "ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً إلا شفعهم الله عز وجل فيه" وإذا شيع الجنازة فوصل المقابر أو دخلها ابتداء قال: السلام عليكم أهل هذه الديار من المؤمنين والمسلمين ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون. والأولى أن لا ينصرف حتى يدفن الميت فإذا سوي على الميت قبره قام عليه وقال: اللهم عبدك رد إليك فارأف به وارحمه اللهم جاف الأرض عن جنبيه وافتح أبواب السماء لروحه وتقبله منك بقول حسن اللهم إن كان محسناً فضاعف له في إحسانه وإن كان مسيئاً فتجاوز عنه . الرابعة تحية المسجد: ركعتان فصاعداً سنة مؤكدة حتى أنها لا تسقط وإن كان الإمام يخطب يوم الجمعة مع تؤكد وجوب الإصغاء إلى الخطيب. وإن اشتغل بفرض أو قضاء تأدى به التحية وحصل الفضل إذ المقصود أن لا يخلو ابتداء دخوله عن العبادة الخاصة بالمسجد قياماً بحق المسجد. ولهذا يكره أن يدخل المسجد على غير وضوء فإن دخل لعبور أو جلوس فليقل "سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر" يقولها أربع مرات يقال إنها عدل ركعتين في الفضل. ومذهب الشافعي رحمه الله أنه لا تكره التحية في أوقات الكراهية: وهي بعد العصر وبعد الصبح ووقت الزوال ووقت الطلوع والغروب، لما روي "أنه صلى ركعتين بعد العصر فقيل له أما نهيتنا عن هذا? فقال: هما ركعتان كنت أصليهما بعد الظهر فشغلني عنهما الوفد" فأفاد هذا الحديث فائدتين إحداهما؛ أن الكراهية مقصورة على صلاة لا سبب لها ومن أضعف الأسباب قضاء النوافل إذ اختلف العلماء في أن النوافل هل تقضى وإذا فعل مثل ما فاته هل يكون قضاء? وإذا انتفت الكراهية بأضعف الأسباب فبأحرى أن تنتفي بدخول المسجد وهو سبب قوي. ولذلك لا تكره صلاة الجنازة إذ حضرت ولا صلاة الخسوف والاستسقاء في هذه الأوقات لأن لها أسباباً. الفائدة الثانية: قضاء النوافل إذا قضى رسول الله ذلك ولنا فيه أسوة حسنة. وقالت عائشة رضي الله عنها "كان رسول الله إذا غلبه نوم أو مرض فلم يقم تلك الليلة صلى من أول النهار اثنتي عشرة ركعة" وقد قال العلماء: من كان في الصلاة ففاته جواب المؤذن فإذا سلم قضى وأجاب وإن كان المؤذن سكت، ولا معنى الآن لقول من يقول: إن ذلك مثل الأول وليس يقضي، إذ لو كان كذلك لما صلاها رسول الله في وقت الكراهة. نعم من كان له ورد فعاقه عن ذلك عذر فينبغي أن لا يرخص لنفسه في تركه. بل يتداركه في وقت آخر حتى لا تميل نفسه إلى الدعة والرفاهية. وتداركه حسن على سبيل مجاهدة النفس ولأنه قال "أحب الأعمال إلى الله تعالى أدومها وإن قل" فيقصد به أن لا يفتر في دوام عمله وروت عائشة رضي الله عنها عن النبي أنه قال "من عبد الله عز وجل بعبادة ثم تركها ملالة مقته الله عز وجل" فليحذر أن يدخل تحت الوعيد. وتحقيق هذا الخبر. أنه مقته الله تعالى بتركها ملالة فلولا المقت والإبعاد لما سلطت الملالة عليه . الخامسة ركعتان بعد الوضوء مستحبتان لأن الوضوء قربة ومقصودها الصلاة والأحداث عارضة فربما يطرأ الحدث قبل صلاة فينتقض الوضوء ويضيع السعي فالمبادرة إلى ركعتين استيفاء لمقصود الوضوء قبل الفوات. وعرف ذلك بحديث بلال إذ قال "دخلت الجنة فرأيت بلالاً فيها فقلت لبلال بم سبقتني إلى الجنة? فقال بلال لا أعرف شيئاً إلا أني لاأحدث وضوءاً إلا أصلي عقيبه ركعتين" السادسة ركعتان عند دخول المنزل وعند الخروج منه: روى أبو هريرة رضي الله عنه قال "قال رسول الله : إذا خرجت من منزلك فصل ركعتين يمنعانك مخرج السوء وإذا دخلت إلى منزلك فصل ركعتين يمنعانك مدخل السوء" وفي معنى هذا كل أمر يبتدأ به مما له وقع، ولذلك ورد ركعتان عند الإحرام وركعتان عند ابتداء السفر وركعتان عند الرجوع من السفر في المسجد قبل دخول البيت فكل ذلك مأثور من فعل رسول الله . وكان بعض الصالحين إذا أكل أكلة صلى ركعتين وإذا شرب شربة صلى ركعتين، وكذلك في كل أمر يحدثه. وبداية الأمور ينبغي أن يتبرك فيها بذكر الله عز وجل وهي على ثلاث مراتب: بعضها يتكرر مراراً كالأكل والشرب فيبدأ فيه باسم الله عز وجل وقال "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أبتر" الثانية: ما لا يكثر تكرره وله وقع كعقد النكاح وابتداء النصيحة والمشورة فالمستحب فيها أن يصدر بحمد الله فيقول المزوج "الحمد لله والصلاة على رسول الله زوجتك ابنتي" ويقول القابل "الحمد لله والصلاة على رسول الله قبلت النكاح" وكانت عادة الصحابة رضي الله عنهم في ابتداء أداء الرسالة والنصيحة والمشورة تقديم التحميد. الثالثة: ما لا يتكرر كثيراً وإذا وقع دام وكان له وقع كالسفر وشراء دار جديدة والإحرام وما يجري مجراه فيستحب تقديم ركعتين عليه وأدناه الخروج من المنزل والدخول إليه فإنه نوع سفر قريب . السابعة صلاة الاستخارة: فمن هم بأمر وكان لا يدري عاقبته ولا يعرف أن الخير في تركه أو في الإقدام عليه فقد أمره رسول الله "بأن يصلي ركعتين يقرأ في الأولى فاتحة الكتاب وقل يا أيها الكافرون، وفي الثانية الفاتحة وقل هو الله أحد، فإذا فرغ دعا وقال اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ودنياي وعاقبة أمري وعاجله وآجله فاقدره لي وبارك لي فيه ثم يسره لي وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ودنياي وعاقبة أمري وعاجله وآجله فاصرفني عنه واصرفه عني واقدر لي الخير أينما كان إنك على كل شيء قدير" رواه جابر بن عبد الله قال "كان رسول الله يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن" وقال "إذا هم أحدكم بأمر فليصل ركعتين ثم ليسم الأمر ويدعو بما ذكرناه، وقال بعض الحكماء من أعطي أربعاً لم يمنع أربعاًن من أعطي الشكر لم يمنع المزيد ومن أعطي التوبة لم يمنع القبول ومن أعطي الاستخارة لم يمنع الخيرة ومن أعطي المشورة لم يمنع الصواب الثامنة صلاة الحاجة فمن ضاق عليه الأمر ومسته حاجة في صلاح دينه ودنياه إلى أمر تعذر عليه فليصل هذه الصلاة فقد روي عن وهيب بن الورد أنه قال: إن من الدعاء الذي لا يرد أن يصلي العبد ثنتي عشرة ركعة يقرأ في كل ركعة بأم الكتاب وآية الكرسي وقل هو الله أحد فإذا فرغ خر ساجداً ثم قال "سبحان الذي لبس العز وقال به سبحان الذي تعطف بالمجد وتكرم به سبحان الذي أحصى كل شيء بعلمه سبحان الذي لا ينبغي التسبيح إلا له سبحان ذي المن والفضل سبحان ذي العز والكرم سبحان ذي الطول أسألك بمعاقد العز من عرشك ومنتهى الرحمة من كتابك وباسمك الأعظم وجدك الأعلى وكلماتك التامات العامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر أن تصلي على محمد وعلى آل محمد" ثم يسال حاجته التي لا معصية فيها فيجاب إن شاء الله عز وجل. قال وهيب: بلغنا أنه كان يقال: لا تعلموها لسفهائكم فيتعاونون بها على معصية الله عز وجل . التاسعة صلاة التسبيح: وهذه الصلاة مأثورة على وجهها ولا تختص بوقت ولا بسبب ويستحب أن لا يخلو الأسبوع عنها مرة واحدة أو الشهر مرة. فقد روى عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما "أنه قال للعباس بن عبد المطلب: ألا أعطيك ألا أمنحك ألا أحبوك بشيء إذا أنت فعلته غفر الله لك ذنبك أوله وآخره قديمه وحديثه خطأه وعمده سره وعلانيته تصلي أربع ركعات تقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وسورة، فإذا فرغت من القراءة في أول ركعة وأنت قائم تقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. خمس عشرة مرة ثم تركع فتقولها وأنت راكع عشر مرات، ثم ترفع من الركوع فتقولها عشراً ثم ترفع رأسك من الركوع فتقولها عشراً، ثم تهوي ساجداً فتقولها وأنت ساجد عشراً، ثم ترفع رأسك من السجود فتقولها عشراً، ثم تسجد فتقولها عشراً، ثم ترفع رأسك فتقولها عشراً ، فذلك خمس وسبعون في كل ركعة تفعل ذلك في أربع ركعات إن استطعت أن تصليها في كل يوم مرة فافعل فإن لم تفعل ففي كل جمعة مرة فإن لم تفعل ففي كل شهر مرة فإن لم تفعل ففي السنة مرة" وفي رواية أخرى "أنه يقول في أول الصلاة سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك وتقدست أسماؤك ولا إله غيرك، ثم يسبح خمس عشرة تسبيحة قبل القراءة وعشراً بعد القراءة والباقي كما سبق عشراً عشراً ولا يسبح بعد السجود الأخير قاعداًن وهذا هو الأحسن وهو اختيار ابن المبارك. والمجموع من الروايتين ثلثمائة تسبيحة فإن صلاها نهاراً فبتسليمة واحدة وإن صلاها ليلاً فبتسليمتين أحسن؛ إذ ورد. أن صلاة الليل مثنى مثنى" وإن راد بعد التسبيح قوله "لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم" فهو حسن فقد ورد ذلك في بعض الروايات فهذه الصلوات المأثورة. ولا يستحب شيء من هذه النوافل في الأوقات المكروهة إلا تحية المسجد "وما أوردناه بعد التحية من ركعتي الوضوء وصلاة السفر والخروج من المنزل والاستخار فلأن النهي مؤكد وهذه الأسباب ضعيفة فلا تبلغ درجة الخسوف والاستسقاء والتحية. وقد رأيت بعض المتصوفة يصلي في الأوقات المكروهة ركعتي الوضوء وهو في غاية البعد لأن الوضوء لا يكون سبباً للصلاة بل الصلاة سبب الوضوء. فينبغي أن يتوضأ ليصلي لا أنه يصلي لأنه توضأ. وكل محدث يريد أن يصلي في وقت الكراهية فلا سبيل له إلا أن يتوضأ ويصلي فلا يبقى للكراهية معنى. ولا ينبغي أن ينوي ركعتي الوضوء كما ينوي ركعتي التحية بل إذا توضأ صلى ركعتين تطوعاً كيلا يتعطل وضوءه كما كان يفعله بلال فهو تطوع محض يقع عقيب الوضوء. وحديث بلال لم يدل على أن الوضوء سبب كالخسوف والتحية حتى ينوي ركعتي الوضوء فيستحيل أن ينوي بالصلاة الوضوء بل ينبغي أن ينوي بالوضوء الصلاة. وكيف ينتظم أن يقول في وضوئه أتوضأ لصلاتي وفي صلاته يقول أصلي لوضوئي، بل من أراد أن يحرس وضوءه عن التعطيل في وقت الكراهية فلينو قضاء إن كان يجوز أن يكون في ذمته صلاة تطرق إليها خلل لسبب من الأسباب فإن قضاء الصلوات في أوقات الكراهية غير مكروه "فأما نية التطوع فلا وجه لها. ففي النهي في أوقات الكراهية مهمات ثلاثة أحدها التوقي في مضاهاة عبدة الشمس، والثاني: الاحتراز من انتشار الشياطين إذ قال "إن الشمس لتطلع ومعها قرن الشيطان فإذا طلعت قارنها وإذا ارتفعت فارقها فإن استوت قارنها فإذا زالت فارقها فإذا تضيفت للغروب قارنها فإذا غربت فارقها" ونهى عن الصلوات في هذه الأوقات ونبه على العلة، والثالث: أن سالكي طريق الآخرة لا يزالون يواظبون على الصلوات في جميع الأوقات. والمواظبة على نمط واحد من العبادات يورث الملل. ومهما منع منها ساعة زاد النشاط وانبعثت الدواعي، والإنسان حريص على ما منع منه ففي تعطيل هذه الأوقات زيادة تحريض وبعث على انتظار انقضاء الوقت، فخصصت هذه الأوقات بالتسبيح والاستغفار حذراً من الملل بالمداومة وتفرجاً بالانتقال من نوع عبادة إلى نوع آخر. ففي الاستطراف والاستجداد لذة ونشاط وفي الاستمرار على شيء واحد استثقال وملال. ولذلك لم تكن الصلاة سجوداً مجرداً ولا ركوعاً مجرداً ولا قياماً مجرداً بل رتبت العبادات من أعمال مختلفة وأذكار متباينة، فإن القلب يدرك من كل عمل منهما لذة جديدة عند الانتقال إليها ولو واظب على الشيء الواحد لتسارع إليه الملل. فإذا كانت هذه أموراً مهمة في النهي عن ارتكاب أوقات الكراهة إلى غير ذلك من أسرار أخر ليس في قوة البشر الاطلاع عليها والله ورسوله أعلم بها. فهذه المهمات لا تترك إلا بأسباب مهمة في الشرع مثل قضاء الصلوات وصلاة الاستسقاء والخسوف وتحية المسجد. فأما ما ضعف عنها فلا ينبغي أن يصادم به مقصود النهي. هذا هو الأوجه عندنا والله أعلم.

كمل كتاب: أسرار الصلاة من كتاب إحياء علوم الدين. يتلوه إن شاء الله كتاب أسرار الزكاة بحمد الله وعونه وحسن توفيقه. والحمد لله وحده وصلاته على خير خلقه محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.