إحياء علوم الدين/كتاب أسرار الزكاة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أسعد وأشقى وأمات وأحيا وأضحك وأبكى وأوجد وأفنى وأفقر وأغنى وأضر وأقنى الذي خلق الحيوان من نطفة تمنى، ثم تفرد عن الخلق بوصف الغنى، ثم خصص بعض عباده بالحسنى فأفاض عليهم من نعمة ما أيسر به من شاء واستغنى وأحود إليه من أخفق في رزقه وأكدى إظهاراً للامتحان والابتلا. ثم جعل الزكاة للدين أساساً ومبنى وبين أن بفضله تزكى من عباده من تزكى ومن غناه وكى ماله من زكى والصلاة على محمد المصطفى سيد الورى وشمس الهدى وعلى آله واصحابه المخصوصين بالعلم والتقى.
أما بعد: فإن الله تعالى جعل الزكاة إحدى مباني الإسلام وأردف بذكرها الصلاة التي هي أعلى الأعلام فقال تعالى "وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة" وقال ﷺ "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة" وشدد الوعيد على المقصرين فيها فقال "والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم" ومعنى الإنفاق في سبيل الله إخراج حق الزكاة قال الأحنف بن قيس: كنت في نفر من قريش فمر أبو ذر فقال بشر الكانزين بكي في ظهورهم يخرج من جنوبهم وبكي في أقفائهم يخرج من جباههم. وفي رواية أنه يوضع على حلمة ثدي أحدهم فيخرج من نغض كتفيه ويوضع على نغض كتفيه حتى يخرج من حلمة ثدييه يتزلزل - وقال أبو ذر: انتهيت إلى رسول الله ﷺ وهو جالس في ظل الكعبة فلما رآني قال "هم الأخسرون ورب الكعبة فقلت ومن هم: قال: الأكثرون أموالاً إلا من قال هكذا وهكذا من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله وقليل ما هم، ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدي زكاتها إلا جاءت يوم القيامة أعظم ما كانت وأسمنه تنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها كلما نفدت أخراها عادت عليه أولاها حتى يقضى بين الناس" وإذا كان هذا التشديد مخرجاً في الصحيحين فقد صار من مهمات الدين الكشف على أسرار الزكاة وشروطها الجلية والخفية ومعانيها الظاهرة والباطنة مع الاقتصار على ما لا يستغنى عن معرفته مؤدي الزكاة وقابضها وينكشف ذلك في أربعة فصول الفصل الأول في أنواع الزكاة وأسباب وجوبها الثاني آدابها وشروطها الباطنة والظاهرة الثالث في القابض وشروط استحقاقه وآداب قبضه الرابع في صدقة التطوع وفضلها