انتقل إلى المحتوى

إحياء علوم الدين/كتاب أسرار الحج/الباب الثاني

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة



الباب الثاني

في ترتيب الأعمال الظاهرة من أول السفر إلى الرجوع


وهي عشر جمل

الجملة الأولى

في السير من أول الخروج إلى الإحرام

وهي ثمانية

الأولى في المال: فينبغي أن يبدأ بالتوبة ورد المظالم وقضاء الديون وإعداد النفقة لكل من تلزمه نفقته إلى وقت الرجوع ويرد ما عنده من الودائع. ويستصحب من المال الحلال الطيب ما يكفيه لذهابه وإيابه من غير تقتير بل على وجه يمكنه معه التوسع في الزاد والرفق بالضعفاء والفقراء. ويتصدق بشيء قبل خروجه ويشتري لنفسه دابة قوية على الحمل لا تضعف أو يكتريها فإن اكترى فليظهر للمكاري كل ما يريد أن يحمله من قليل أو كثير ويحصل رضاه فيه الثانية في الرفيق: ينبغي أن يلتمس رفيقاً صالحاً محباً للخير معيناً عليه إن نسي ذكره وإن ذكر أعانه وإن جبن شجعه وإن عجز قواه وإن ضاق صدره صبره. ويودع رفقاءه المقيمين وإخوانه وجيرانه فيودعهم ويلتمس أدعيتهم فإن الله تعالى جاعل في أدعيتهم خيراً والسنة في الوداع أن يقول أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك وكان يقول لمن أراد السفر "في حفظ الله وكنفه زودك الله التقوى وغفر ذنبك ووجهك للخير أينما كنت" الثالثة في الخروج من الدار: ينبغي إذا هم بالخروج أن يصلي ركعتين أولاً يقرأ في الأولى بعد الفاتحة: قل يا أيها الكافرون وفي الثانية الإخلاص فإذا فرغ رفع يديه ودعا الله سبحانه عن إخلاص صاف ونية صادقة وقال: اللهم أنت الصاحب في السفر وأنت الخليفة في الأهل والمال والولد والأصحاب احفظنا وإياهم من كل آفة وعاهة. اللهم إنا نسألك في مسيرنا هذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى. اللهم إنا نسألك أن تطوي لنا الأرض وتهون علينا السفر وأن ترزقنا في سفرنا سلامة البدن والدين والمال وتبلغنا حج بيتك وزيارة قبر نبيك محمد . اللهم إنا نعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنقلب وسوء المنظر في الأهل والمال والولد والأصحاب. اللهم اجعلنا وإياهم في جوارك ولا تسلبنا وإياهم نعمتك ولا تغير ما بنا وبهم من عافيتك الرابعة إذا حصل على باب الدار قال: بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله رب أعوذ بك أن أضل أو أضل أو أذل أو أذل أو أزل أو أزل أو أظلم أو أظلم أو أجهل أو يجهل علي. اللهم إني لم أخرج شراً ولا بطراً ولا رياء ولا سمعة بل خرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك وقضاء فرضك واتباع سنة نبيك وشوقاً إلى لقائك. فإذا مشى قال: اللهم بك انتشرت وعليك توكلت وبك اعتصمت وإليك توجهت. اللهم أنت ثقتي وأنت رجائي فاكفني ما أهمني وما لا أهتم به وما أنت أعلم به مني عز وجارك وجل ثناؤك ولا إله غيرك. اللهم زودني التقوى واغفر لي ذنبي ووجهني للخير أينما توجهت. ويدعو بهذا الدعاء في كل منزل يدخل عليه الخامسة في الركوب. فإذا ركب الراحلة يقول: بسم الله وبالله والله أكبر توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون. اللهم إني وجهت وجهي إليك وفوضت أمري كله إليك وتولكت في جميع أموري عليك أنت حسبي ونعم الوكيل. فإذا استوى على الراحلة واستوت تحته قال: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر - سبع مرات - وقال "الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله" اللهم أنت الحامل على الظهر وأنت المستعان على الأمور السادسة في النزول: والسنة أن لا ينزل حتى يحمى النهار ويكون أكثر سيره بالليل قال "عليكم بالدلجة فإن الأرض تطوي بالليل ما لا تطوي بالنهار" وليقلل نومه حتى يكون عوناً على السير. ومهما أشرف على المنزل فليقل: اللهم رب السموات السبع وما أظللن ورب الأرضين السبع وما أقللن ورب الشياطين وما أضللن ورب الرياح وما ذرين ورب البحار وما جرين أسالك خير هذا المنزل وخير أهله وأعوذ بك من شره وشر ما فيه اصرف عني شر شرارهم. فإذا نزل المنزل صلى ركعتين فيه ثم قال: أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما خلق. فإذا جن عليه الليل يقول: يا أرض ربي وربك الله أعوذ بالله من شرك وشر ما فيك وشر ما دب عليك أعوذ بالله من شر كل أسد وأسود وحية وعقرب ومن شر ساكن البلد ووالد وما ولد "وله ما سكن في الليل والنهار وهو السميع العليم" السابعة في الحراسة: ينبغي أن يحتاط بالنهار فلا يمشي منفرداً خارج القافلة لأنه ربما يغتال أو ينقطع، ويكون بالليل متحفظاً عند النوم فإن نام في ابتداء الليل افترش ذراعه، وإن نام في آخر الليل نصب ذراعه نصباً وجعل رأسه في كفه، هكذا كان ينام رسول الله في سفره لأنه ربما استثقل النوم فتطلع الشمس وهو لا يدري فيكون ما يفوته من الصلاة أفضل مما يناله من الحج والأحب في الليل أن يتناوب الرفيقان في الحراسة فإذا نام أحدهما حرس الآخر فهو السنة فإن قصده عدو أو سبع في ليل أو نهار فليقرأ آية الكرسي وشهد الله والإخلاص والمعوذتين وليقل بسم الله ما شاء الله لا قوة إلا بالله حسبي الله توكلت على الله ما شاء الله لا يأتي بالخير إلا الله ما شاء الله لا يصرف السوء إلا الله حسبي الله وكفى سمع الله لمن دعا ليس وراء اله منتهى ولا دون الله ملجأ "كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز" تحصنت بالله العظيم واستغثت بالحي الذي لا يموت اللهم احرسنا بعينك التي لا تنام واكنفنا بركنك الذي لا يرام. اللهم ارحمنا بقدرتك علينا فلا نهلك وأنت ثقتنا ورجاؤنا. اللهم أعطف علينا قلوب عبادك وإمائك برأفة ورحمة إنك أنت أرحم الراحمين الثامنة مهما علا نشزا من الأرض في الطريق فيستحب أن يكبر ثلاثاً ثم يقول: اللهم لك الشرف على كل شرف ولك الحمد على كل حال. ومهما هبط سبح ومهما خاف الوحشة في سفره قال: سبحان الله الملك القدوس رب الملائكة والروح جللت السموات بالعزة والجبروت.

الجملة الثانية

في آداب الإحرام من الميقات إلى دخول مكة

وهي خمسة

الأول أن يغتسل وينوي به غسل الإحرام أعني إذا انتهى إلى الميقات المشهور الذي يحرم الناس منه. ويتمم غسله بالتنظيف ويسرح لحيته ورأسه ويقلم أظفاره ويقص شاربه ويستكمل النظافة التي ذكرناها في الطهارة الثاني أن يفارق الثياب المخيطة ويلبس ثوبي الإحرام فيرتدي ويتزر بثوبين أبيضين فالأبيض هو أحب الثياب إلى الله عز وجل، ويتطيب في ثيابه وبدنه ولا بأس بطيب يبقي جرمه بعد الإحرام؛ فقد رؤي بعض المسك على مفرق رسول الله بعد الإحرام مما كان استعمله قبل الإحرام الثالث أن يصبر بعد لبس الثياب حتى تنبعث به راحلته إن كان راكباً ويبدأ بالسير إن كان راجلاً فعد ذلك ينوي الإحرام بالحج أو بالعمرة قراناً أو إفراداً كما أراد. ويكفي مجرد النية لانعقاد الإحرام ولكن السنة أن يقرن بالنية لفظ التلبية فيقول "لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك" وإن زاد قال "لبيك وسعديك والخير كله بيديك والرغباء إليك لبيك بحجة حقاً تعبداً ورقاً اللهم صل على محمد وعلى آل محمد" الرابع إذا انعقد إحرامه بالتلبية المذكورة فيستحب أن يقول: اللهم إني أريد الحج فيسره لي وأعني على أداء فرضه وتقبله مني. اللهم إني نويت أداء فريضتك في الحج فاجعلني من الذين استجابوا لك وآمنوا بوعدك واتبعوا أمرك واجعلني من وفدك الذين رضيت عنهم وارتضيت وقبلت منهم. اللهم فيسر لي أداء ما نويت من الحج، اللهم قد أحرم لك لحمي وشعري ودمي وعصبي ومخي وعظامي وحرمت على نفسي النساء والطيب ولبس المخيط ابتغاء وجهك والدار الآخرة. ومن وقت الإحرام حرم عليه المحظورات الستة التي ذكرناها من قبل فليجتنبها الخامس يستحب تجديد التلبية في دوام الإحرام خصوصاً عند اصطدام الرفاق وعند اجتماع الناس وعند كل صعود وهبوط وعند كل ركوب ونزول رافعاً بها صوته بحيث لا يبح حلقه ولا ينبهر، فإنه لا ينادي أصم ولا غائباً كما ورد في الخبر. ولابأس برفع الصوت بالتلبية في المساجد الثلاثة فإنها مظنة المناسك - أعني المسجد الحرام ومسجد الخيف ومسجد الميقات - وأما سائر المساجد فلا بأس فيها بالتلبية من غير رفع صوت: وكان إذا أعجبه شيء قال "لبيك إن العيش عيش الآخرة".

الجملة الثالثة

في آداب دخول مكة إلى الطواف

وهي ستة

الأول أن يغتسل بذي طوى لدخول مكة. والاغتسالات المستحبة المسنونة في الحج تسعة. الأول: للإحرام من الميقات ثم لدخول مكة ثم لطواف القدوم ثم للوقوف بعرفة ثم للوقوف بمزدلفة ثم ثلاثة أغسال لرمي الجمار الثلاث؛ ولا غسل لرمي جمرة العقبة، ثم لطواف الوداع. ولم ير الشافعي رضي الله عنه في الجديد: الغسل لطواف الزيارة ولطواف الوداع فتعود إلى سلعة، الثاني: أن يقول عند الدخول في أول الحرم وهو خارج مكة "اللهم هذا حرمك وأمنك فحرم لحمي ودمي وشعري وبشري على النار وآمني من عذابك يوم تبعث عبادك واجعلني من أوليائك وأهل طاعتك. الثالث أن يدخل مكة من جانب الأبطح وهو ثنية كدا - بفتح الكاف - عدل رسول الله من جادة الطريق إليها فالتأسي به أولى، وإذا خرج خرج من ثنية كدى - بضم الكاف - وهي الثنية السفلى والأولى هي العليا. الرابع: إذا دخل مكة وانتهى إلى راس الردم فعنده يقع بصره على البيت فليقل "لا إله إلا الله والله أكبر اللهم أنت السلام ومنك السلام ودارك دار السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام اللهم إن هذا بيتك عظمته وكرمته وشرفته اللهم فزده تعظيماً وزده تشريفاً وتكريماً وزده مهابة وزد من حجة يرا وكرامة اللهم افتح لي أبواب رحمتك وأدخلني جنتك وأعذني من الشيطان الرجيم". الخامس: إذا دخل المسجد الحرام فليدخل من باب بني شيبة وليقل "بسم الله وبالله ومن الله وإلى الله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله فإذا قرب من البيت قال الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى. اللهم صل على محمد عبدك ورسولك وعلى إبراهيم خليلك وعلى جميع أنبيائك ورسلك" وليرفع يديه وليقل "اللهم إني أسألك في مقامي هذا في أول مناسكي أن تتقبل توبتي وأن تتجاوز عن خطيئتي وتضع عني وزري الحمد لله الذي بلغني بيته الحرام الذي جعله مثابة للناس وأمناً وجعله مباركاً وهدى للعالمين. اللهم إني عبدك والبلد بلدك والحرم حرمك والبيت بيتك جئتك أطلب رحمتك وأسألك مسئلة المضطر الخائف من عقوبتك الراجي لرحمتك الطالب مرضاتك. السادس: أن تقصد الحجر الأسود بعد ذلك وتمسه بيدك اليمنى وتقبله وتقول "اللهم أمانتي اديتها وميثاقي وفيته اشهد لي بالموافاة فإن لم يستطع التقبيل وقف في مقابلته ويقول ذلك. ثم لا يعرج على شيء دون الطواف وهو طواف القدوم إلا أن يجد الناس في المكتوبة فيصلي معهم ثم يطوف.

الجملة الرابعة

في الطواف

فإذا أراد افتتاح الطواف إما للقدوم وإما لغيره فينبغي أن يراعي أموراً ستة الأول أن يراعي شروط الصلاة من طهارة الحدث والخبث في الثوب والبدن والمكان وستر العورة. فالطواف بالبيت صلاة ولكن الله سبحانه أباح فيه الكلام. وليضطبع قبل ابتداء الطواف وهو أن يجعل وسط ردائه تحت إبطه اليمنى ويجمع طرفيه على منكبه الأيسر فيرخي طرفاً وراء ظهره وطرفاً وراء ظهره وطرفاً على صدره. ويقط التلبية عند ابتداء الطواف ويشتغل بالأدعية التي سنذكرها الثاني إذا فرغ من الاضطباع فليجعل البيت على يساره وليقف عند الحجر الأسود وليتنح عنه قليلاً ليكون الحجر قدامه فيمر بجميع الحجر بجميع بدنه في ابتداء طوافه. وليجعل بينه وبين البيت قدر ثلاث خطوات ليكون قريباً من البيت فإنه أفضل ولكيلا يكون طائفاً على الشاذروان فإنه من البيت، وعند الحجر الأسود قد يتصل الشاذروان بالأرض ويلتبس به، والطائف عليه لا يصح طوافه؛ لأنه طائف في البيت. والشاذروان هو الذي فضل عن عرض جدار البيت بعد أن ضيق أعلى الجدار ثم من هذا الموقف يبتدىء الطواف الثالث أن يقول قبل مجاوزة الحجر بل في ابتداء الطواف "بسم الله والله أكبر اللهم إيماناً بك وتصديقاً بكتابك ووفاء بعهدك واتباعاً لسنة نبيك محمد " ويطوف. فأول ما يجاوز الحجر ينتهي إلى باب البيت فيقول "اللهم هذا البيت بيتك وهذا الحرم حرمك وهذا الأمن أمنك وهذا مقام العائذ بك من النار" وعند ذكر المقام يشير بعينه إلى مقام إبراهيم عليه السلام "اللهم إن بيتك عظيم ووجهك كريم وأنت أرحم الراحمين فأعذني من النار ومن الشيطان الرجيم وحرم لحمي ودمي على النار وآمني من أهوال يوم القيامة واكفني مؤنة الدنيا والآخرة" ثم يسبح الله تعالى ويحمده حتى يبلغ الركن العراقي فعنده يقول "اللهم إني أعوذ بك من الشر والشك والكفر والنفاق والشقاق وسوء الأخلاق وسوء المنظر في الأهل والمال والولد" فإذا بلغ الميزاب قال "اللهم أظلنا تحت عرشك يوم لا ظل إلا ظلك اللهم اسقني بكأس محمد شربة لا أظمأ بعدها أبداً" فإذا بلغ الركن الشامي قال "اللهم اجعله حجاً مبروراً وسعياً مشكوراً وذنباً مغفوراً وتجارة لن تبور يا عزيز يا غفور رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز الأكرم" فإذا بلغ الركن اليماني قال "اللهم إني أعوذ بك من الكفر وأعوذ بك من الفقر ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات وأعوذ بك من الخزي في الدنيا والآخرة" ويقول بين الركن اليماني والحجر الأسود "اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا برحمتك فتنة القبر وعذاب النار" فإذا بلغ الحجر الأسود قال "اللهم اغفر لي برحمتك أعوذ برب هذا الحجر من الدين والفقر وضيق الصدر وعذاب القبر" وعند ذلك قد تم شوط واحد فيطوف كذلك سبعة أشواط فيدعو بهذه الأدعية في كل شوط الرابع أن يرمل في ثلاثة أشواط ويمشي في الأربعة الأخر على الهيئة المعتادة. ومعنى الرمل الإسراع في المشي مع تقارب الخطا، وهو دون العدو وفوق المشي المعتاد. والمقصود منه ومن الاضطباع إظهار الشطارة والجلادة والقوة، هكذا كان القصد أولاً قطعاً لطمع الكفار وبقيت تلك السنة والأفضل الرمل مع الدنو من البيت فإن لم يمكنه للزحمة فالرمل مع البعد أفضل فيخرج إلى حاشية المطاف وليرمل ثلاثاً ثم ليقرب إلى البيت في المزدحم وليمش أربعاً. وإن أمكنه استلام الحجر في كل شوط فهو الأحب، وإن منعه الزحمة أشار باليد وقبل يده، وكذلك استلام الركن اليماني يستحب من سائر الأركان. وروي "أنه كان يستلم الركن اليماني ويقبله ويضع خده عليه" ومن أراد تخصيص الحجر بالتقبيل واقتصر في الركن اليماني على الاستلام أغنى عن اللمس باليد فهو أولى الخامس إذا تم الطواف سبعاً فليأت الملتزم وهو بين الحجر والباب وهو موضع استجابة الدعوة، وليلتزق بالبيت وليتعلق بالأستار وليلصق بطنه بالبيت وليضع عليه خده الأيمن وليبسط عليه ذراعيه وكفيه، وليقل "اللهم يا رب البيت العتيق أعتق رقبتي من النار وأعذني من الشيطان الرجيم وأعذني من كل سوء وقنعني بما رزقتني وبارك لي فيما آتيتني اللهم إن هذا البيت بيتك والعبد عبدك وهذا مقام العائذ بك من النار اللهم اجعلني من أكرم وفدك عليك" ثم ليحمد الله كثيراً في هذا الموضع وليصل على رسوله وعلى جميع الرسل كثيراً وليدع بحوائجه الخاصة وليستغفر من ذنوبه. كان بعض السلف في هذا الموضع يقول لمواليه: تنحوا عني حتى أقر لربي بذنوبي السادس إذا فرغ من ذلك ينبغي أن يصلي خلف المقام ركعتين يقرأ في الأولى قل يا أيها الكافرون وفي الثانية الإخلاص وهما ركعتا الطواف. قال الزهري: مضت السنة أن يصلي لكل سبع ركعتين وإن قرن بين أسابيع وصلى ركعتين جاز فعل ذلك رسول الله وكل أسبوع طواف. وليدع بعد ركعتي الطواف وليقل "اللهم يسر لي اليسرى وجنبني العسرى واغفر لي في الآخرة والأولى واعصمني بألطافك حتى لا أعصيط وأعني على طاعتك بتوفيقك وجنبني معاصيك واجعلني ممن يحبك ويحب ملائكتك ورسلك ويحب عبادك الصالحين. اللهم حببني إلى ملائكتك ورسلك وإلى عبادك الصالحين اللهم فكما هديتني إلى الإسلام فثبتني عليه بألطافك وولايتك واستعملني لطاعتك وطاعة رسولك وأجرني من مضلات الفتن. ثم ليعد إلى الحجر وليستلمه وليختم به الطواف قال "من طاف بالبيت أسبوعاً وصلى ركعتين فله من الأجر كعتق رقبة" وهذه كيفية الطواف. والواجب من جملته بعد شروط الصلاة أن يستكمل عدد الطواف سبعاً بجميع البيت، وأن يبتدىء بالحجر الأسود ويجعل البيت على يساره وأن يطوف داخل المسجد وخارج البيت لا على الشاذروان ولا في الحجر، وأن يوالي بين الأشواط ولا يفرقها تفريقاً خارجاً عن المعتاد وما عدا هذا فهو سنن وهيئات.

الجملة الخامسة

في السعي

فإذا فرغ من الطواف فليخرج من باب الصفا وهو في محاذاة الضلع الذي بين الركن اليماني والحجر. فإذا خرج من ذلك الباب و انتهى إلى الصفا وهو جبل فيرقى فيه درجات في حضيض الجبل بقدر قامة الرجل. رقى رسول الله حتى بدت له الكعبة. وابتداء السعي من أصل الجبل كاف وهذه الزيادة مستحبة، ولكن بعض تلك الدرج مستحدثة فينبغي أن لا يخلفها وراء ظهره فلا يكون متمماً للسعي، وإذا ابتدأ من ههنا سعى بينه وبين المروة سبع مرات. وعند رقية في الصفا ينبغي أن يستقبل البيت ويقول "الله أكبر الله أكبر الحمد لله على ما هدانا الحمد لله بمحامده كلها على جميع نعمه كلها لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون لا إله إلا الله مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين "فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السموات والأرض وعشياً وحين تظهرون يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ويحيي الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون" اللهم إني أسألك إيماناً دائماً ويقيناً صادقاً وعلماً نافعاً وقلباً خاشعاً ولساناً ذاكراً وأسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدنيا والآخرة ويصلي على محمد " ويدعو الله عز وجل بما شاء من حاجته عقيب هذا الدعاء. ثم ينزل ويبتدىء السعي وهو يقول "رب اغفر لي وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز الأكرم اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار" ويمشي على هينة حتى ينتهي إلى الميل الأخضر وهو أول ما يلقاه إذا نزل من الصفا - وهو على زاوية المسجد الحرام - فإذا بقي بينه وبين محاذاة الميل ستة أذرع أخذ في السير السريع وهو الرمل حتى ينتهي إلى الميلين الأخضرين. ثم يعود إلى الهينة فإذا انتهى إلى المروة صعدها كما صعد الصفا وأقبل بوجهه على الصفا ودعا بمثل ذلك الدعاء وقد حصل السعي مرة واحدة؛ فإذا عاد إلى الصفا حصلت مرتان. يفعل ذلك سبعاً ويرمل في موضع الرمل في كل مرة ويسكن في موضع السكون - كما سبق - وفي كل نوبة يصعد الصفا والمروة فإذا فعل ذلك فقد فرغ من طواف القدوم والسعي وهما سنتان. والطهارة مستحبة للسعي وليست بواجبة بخلاف الطواف وإذا سع فينبغي أن لا يعيد السعي بعد الوقوف ويكتفي بهذا ركناً؛ فإنه ليس من شروط السعي أن يتأخر عن الوقوف وإنما ذلك شرط في طواف الركن. نعم شرط كل سعي أن يقع بعد طواف أي طواف كان.

الجملة السادسة

في الوقوف وما قبله

الحاج إذا انتهى يوم عرفة إلى عرفات يتفرغ لطواف القدوم ودخول مكة قبل الوقوف. وإذا وصل قبل ذلك بأيام فطاف طواف القدوم فيمكث محرماً إلى اليوم السابع من ذي الحجة. فيخطب الإمام بمكة خطبة بعد الظهر عند الكعبة ويأمر الناس بالاستعداد للخروج إلى منى يوم التروية والمبيت بها، وبالغدو منها إلى عرفة لإقامة فرض الوقوف بعد الزوال؛ إذ وقت الوقوف من الزوال إلى طلوع الفجر الصادق من يوم النحر، فينبغي أن يخرج إلى منى ملبياً: ويستحب له المشي من مكة في المناسك إلى انقضاء حجته إن قدر عليه. والمشي من مسجد إبراهيم عليه السلام إلى الموقف أفضل وآكد. فإذا انتهى إلى منى قال "اللهم هذه منى فامنن علي بما مننت به على أوليائك وأهل طاعتك وليمكث هذه الليلة بمنى - وهو مبيت منزل لا يتعلق به نسك - فإذا أصبح يوم عرفة صلى الصبح فإذا طلعت الشمس على تثبير سار إلى عرفات ويقول "اللهم أجعلها خير غدوة غدوتها قط واقربها من رضوانك وأبعدها من سخطك اللهم إليك غدوت وإياك رجوت وعليك اعتمدت ووجهك أردت فاجعلني ممن تباهي به اليوم من هو خير مني وأفضل. فإذا أتى عرفات فليضرب خباءه بنمرة قريباً من المسجد فثم ضرب رسول الله قنته ونمرة هي بطن عرنة دون الموقف ودون عرفة. وليغتسل للوقوف فإذا زالت الشمس خطب الإمام خطبة وجيزة وقعد، وأخذ المؤذن في الأذان والإمام في الخطبة الثانية ووصل الإقامة بالأذان، وفرغ الإمام مع تمام إقامة المؤذن. ثم جمع بين الظهر والعصر بأذان وإقامتين، وقصر الصلاة، وراح إلى الموقف فليقف بعرفة ولا يقفن في وادي عرنة. وأما مسجد إبراهيم عليه السلام فصدره في الوادي وأخرياته من عرفة فمن وقف في صدر المسجد لم يحصل له الوقوف بعرفة. ويتميز مكان عرفة من المسجد بصخرات كبار فرشت ثم. والأفضل أن يقف عند الصخرات بقرب الإمام مستقبلاً للقبلة راكباً. وليكثر من أنواع التحميد والتسبيح والتهليل والثناء على الله عز وجل والدعاء والتوبة. ولا يصوم في هذا اليوم ليقوى على المواظبة على الدعاء. ولا يقطع التلبية يوم عرفة بل الأحب أن يلبي تارة ويكب على الدعاء أخرى. وينبغي أن لا ينفصل من طرف عرفة إلا بعد الغروب ليجمع في عرفة بين الليل والنهار: وإن أمكنه الوقوف يوم الثامن ساعة عند إمكان الغلط في الهلال فهو الحزم وبه الأمن من الفوات. ومن فاته الوقوف حتى طلع الفجر يوم النحر فقد فاته الحج، فعليه أن يتحلل عن إحرامه بأعمال العمرة ثم يريق دماً لأجل الفوات، ثم يقضي العام الآتي، وليكن أهم اشتغاله في هذا اليوم الدعاء. ففي مثل تلك البقعة ومثل ذلك الجمع ترجى إجابة الدعوات. والدعاء المأثور عن رسول الله وعن السلف في يوم عرفة أول ما يدعو به فليقل "لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير اللهم اجعل في قلبي نوراً وفي سمعي نوراً وفي بصري نوراً وفي لساني نوراً. اللهم اشرح لي صدري ويسر لي أمري وليقل: اللهم رب الحمد لك الحمد كما تقول وخيراً مما تقول لك صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي وإليك مآبي وإليك ثوابي. اللهم إني أعوذ بك من وساوس الصدر وشتات الأمر وعذاب القبر. اللهم إني أعوذ بك من شر ما يلج في الليل ومن شر ما يلج في النهار ومن شر ما تهب به الرياح. ومن شر بوائق الدهر. اللهم إني أعوذ بك من تحول عافيتك وفجأة نقمتك وجميع سخطك. اللهم اهدني بالهدى واغفر لي في الآخرة والأولى يا خير مقصود وأسنى منزول به وأكرم مسئول ما لديه أعطني العشية أفضل ما أعطيت أحداً من خلقك وحجاج بيتك يا أرحم الراحمين. اللهم يا رفيع الدرجات ومنزل البركات ويا فاطر الأرضين والسموات ضجت إليك الأصوات بصنوف اللغات يسألونك الحاجات وحاجتي إليك أن لا تنساني في دار البلاء إذا نسيني أهل الدنيا. اللهم إنك تسمع كلامي وترى مكاني وتعلم سري وعلانيتي ولا يخفى عليك شيء من أمري أنا البائس الفقير المستغيث المستجير الوجل المشفق المعترف بذنبه أسألك مسئلة المسكين وأبتهل إليك ابتهال المذنب الذليل وأدعوك دعاء الخائف الضرير دعاء من خضعت لك رقبته وفاضت لك عبرته وذل لك جسده ورغم لك أنفه. اللهم لا تجعلني بدعائك رب شقياً وكن بي رءوفاً رحيماً يا خير المسئولين وأكرم المعطين إلهي من مدح لك نفسه فإني لائم نفسي. إلهي أخرست المعاصي لساني فمالي وسيلة عن عمل ولا شفيع سوى الأمل. إلهي إني أعلم أن ذنوبي لم تبق لي عندك جاهاً ولا للاعتذار وجهاً ولكنك أكرم الأكرمين. إلهي إن لم أكن أهلاً أن أبلغ رحمتك فإن رحمتك أهل أن تبلغني ورحمتك وسعت كل شيء وأنا شيء إلهي إن ذنوبي وإن كانت عظاماً ولكنها صغار في جنب عفوك فاغفرها لي يا كريم إلهي أنت أنت وأنا أنا، أنا العواد إلى الذنوب وأنت العواد إلى المغفرة. إليه إن كنت لا ترحم إلا أهل طاعتك فإلى من يفزع المذنبون. إلهي تجنبت عن طاعتك عمداً وتوجهت إلى معصيتك قصداً فسبحانك ما أعظم حجتك علي وأكرم عفوك عني فبوجوب حجتك علي وانقطاع حجتي عنك وفقري إليك وغناك عني إلا غفرت لي يا خير من دعاه داع وأفضل من رجاه راج بحرمة الإسلام وبذمة محمد عليه السلام أتوسل إليك فاغفر لي جميع ذنوبي واصرفني من موقفي هذا مقضي الحوائج وهب لي ما سالت وحقق رجائي فيما تمنيت. إلهي دعوتك بالدعاء الذي علمتنيه فلا تحرمني الرجاء الذي عرفتنيه إلهي ما أنت صانع العشية بعبد مقر لك بذنبه خاشع لك بذلته مستكين بجرمه متضرع إليك من عمله تائب إليك من اقترافه مستغفر لك من ظلمه مبتهل إليك في العفو عنه طالب إليك نجاح حوائجه راج إليك في موقفه مع كثرة ذنوبه فيا ملجأ كل حي وولي كل مؤم من أحسن فبرحمتك يفوز ومن أخطأ فبخطيئته يهلك. اللهم إليك خرجنا وبفنائك أنخنا وإياك أملنا وما عندك طلبنا ولإحسانك تعرضنا ورحمتك رجونا ومن عذابك أشفقنا وإليك بأثقال الذنوب هربنا ولبيتك الحرام حججنا يا من يملك حوائح السائلين ويعلم ضمائر الصامتين يا من ليس معه رب يدعى ويا من ليس فوقه خالق يخشى ويا من ليس له وزير يؤتى ولا حاجب يرشى يا من لا يزداد على كثرة السؤال إلا جوداً وكرماً وعلى كثرة الحوائج إلا تفضلاً وإحساناً. اللهم إنك جعلت لكل ضيف قرى ونحن أضيافك فاجعل قرانا منك الجنة. اللهم إن لكل وفد جائزة ولكل زائر كرامة ولكل سائل عطية ولكل راج ثواباً ولكل ملتمس لما عندك جزاء ولكل مسترحم عندك رحمة ولكل راغب إليك زلفى ولكل متوسل إليك عفواً وقد وفدنا إلى بيتك الحرام ووقفنا بهذه المشاعر العظام وشهدنا هذه المشاهد الكرام رجاء لما عندك فلا تخيب رجاءنا. إلهنا تابعت النعم حتى اطمأنت الأنفس بتتابع نعمك وأظهرت العبر حتى نطقت الصوامت بحجتك وظاهرت المنن حتى اعترف أولياؤك بالتقصير عن حقك وأظهرت الآيات حتى أفصحت السموات والأرضون بأدلتك وقهرت بقدركت حتى خضع كل شيء لعزتك وعنت الوجوه لعظمتك إذا أساءت عبادك حلمت وأمهلت وإن أحسنوا تفضلت وقبلت وإن عصوا سترت وإن أذنبوا عفوت وغفرت وإذا دعونا أجبت وإذا نادينا سمعت وإذا أقبلنا إليك قربت وإذا ولينا عنك دعوت. إلهنا إنك قلت في كتابك المبين لمحمد خاتم النبيين "قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف" فأرضاك عنهم الإقرار بكلمة التوحيد بعد الجحود وإنا نشهد لك بالتوحيد مخبتين ولمحمد بالرسالة مخلصين فاغفر لنا بهذه الشهادة سوالف الإجرام ولا تجعل حظنا فيه أنقص من حظ من دخل في الإسلام. إلهنا إنك أحببت التقرب إليك بعتق ما ملكت أيماننا ونحن عبيدك وأنت أولى بالتفضل فأعتقنا. وإنك أمرتنا أن نتصدق على فقرائنا ونحن فقراؤك وأنت أحق بالتطول فتصدق علينا. ووصيتنا بالعفو عمن ظلمنا وقد ظلمنا أنفسنا وأنت أحق بالكرم فاعف عنا. ربنا اغفر لنا وارحمنا أنت مولانا ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا برحمتك عذاب النار" وليكثر من دعاء الخضر عليه السلام وهو أن يقول "يا من لا يشغله شأن عن شأن ولا سمع عن سمع ولا تشتبه عليه الأصوات، يا من لا تغلطه المسائل ولا تختلف عليه اللغات، يا من لا يبرمه إلحاحالملحين ولا تضجره مسئلة السائلين أذقنا برد عفوك وحلاوة مناجاتك" وليدع بما بدا له وليستغفر له ولوالديه ولجميع المؤمنين والمؤمنات وليلح في الدعاء وليعظم المسألة فإن الله لا يتعاظمه شيء، وقال مطرف بن عبد الله وهو بعرفة: اللهم لا ترد الجميع من أجلي. وقال بكر المزني: قال رجل لما نظرت إلى أهل عرفات ظننت أنهم قد غفر لهم لولا أني كنت فيهم.

الجملة السابعة

في بقية أعمال الحج بعد الوقوف من المبيت والرمي والنحر والحلق والطواف

فإذا أفاض من عرفة بعد غروب الشمس فينبغي أن يكون على السكينة والوقار وليجتنب وجيف الخيل وإيضاع الإبل كما يعتاده بعض الناس. فإن رسول الله "نهى عن وجيف الخيل وإيضاع الإبل وقال: اتقوا الله وسيروا سيراً جميلاً لا تطأوا ضعيفاً ولا تؤذوا مسلماً" فإذا بلغ المزدلفة اغتسل لها لأن المزدلفة من الحرم فليدخله بغسل، وإن قدر على دخوله ماشياً فهو أفضل وأقرب إلى توقير الحرم. ويكون في الطريق رافعاً صوته بالتلبية فإذا بلغ المزدلفة قال "اللهم إن هذه مزدلفة جمعت فيها ألسنة مختلفة تسألك حوائج مؤتنفه فاجعلني ممن دعاك فاستجبت له وتوكل عليك فكفيته" ثم يجمع بين المغرب والعشاء بمزدلفة في وقت العشاء قاصراً له بأذان وإقامتين ليس بينهما نافلة، ولكن يجمع نافلة المغرب والعشاء والوتر بعد الفريضتين، ويبدأ بنافلة المغرب ثم بنافلة العشاء كما في الفريضتين. فإن ترك النوافل في السفر خسران ظاهر. وتكليف إيقاعها في الأوقات إضرار وقطع للتبعية بينهما وبين الفرائض فإذا جاز أن يؤدي النوافل مع الفرائض بتيمم واحد بحكم التبعية فبأن يجوز أداؤهما على حكم الجمع بالتبعية أولى. ولا يمنع من هذا مفارقة النفل للفرض في جواز أدائه على الراحلة لما أومأنا إليه من التبعية والحاجة. ثم يمكث تلك الليلة بمزدلفة وهو مبيت نسك، ومن خرج منها في النصف الأول من الليل ولم يبت فعليه دم، وإحياء هذه الليلة الشريفة من محاسن القربات لمن يقدر عليه ثم إذا انتصف الليل يأخذ في التأهب للرحيل ويتزود الحصى منها - ففيها أحجار رخوة - فليأخذ سبعين حصاة فإنها قدر الحاجة، ولابأس بأن يستظهر بزيادة فربما يسقط منه بعضها. ولتكن الحصى خفافاً بحيث يحتوي عليه أطراف البراجم. ثم ليغلس بصلاة الصبح وليأخذ في المسير حتى إذا انتهى إلى المشعر الحرام وهو آخر المزدلفة فيقف ويدعو إلى الإسفار ويقول "اللهم بحق المشعر الحرام والبيت الحرام والشهر الحرام والركن والمقام أبلغ روح محمد منا التحية والسلام وأدخلنا دار السلام يا ذا الجلال والإكرام، ثم يدفع منها قبل طلوع الشمس حتى ينتهي إلى موضع يقال له وادي محسر فيستحب له أن يحرك دابته حتى يقطع عرض الوادي وإن كان راجلاً أسرع في المشي. ثم إذا أصبح يوم النحر خلط التلبية بالتكبير فيلبي تارة ويكبر أخرى. فينتهي إلى منى ومواضع الجمرات وهي ثلاثة فيتجاوز الأولى والثانية فلا شغل له معهما يوم النحر، حتى ينتهي إلى جمرة العقبة وهي على يمين مستقبل القبلة في الجادة - والمرمى مرتفع قليلاً في سفح الجبل وهو ظاهر بمواقع الجمرات - ويرمي جمرة العقبة بعد طلوع الشمس بقدر رمح. وكيفيته أن يقف مستقبلاً القبلة وإن استقبل الجمرة فلا بأس ويرمي سبع حصيات رافعاً يده، ويبدل التلبية بالتكبير ويقول مع كل حصاة "الله أكبر على طاعة الرحمن، ورغم الشيطان اللهم تصديقاً بكتابك واتباعاً لسنة نبيك" فإذا رمى قطع التلبية والتكبير إلا التكبير عقيب فرائض الصلوات من ظهر يوم النحر إلى عقيب الصبح من آخر أيام التشريق. ولا يقف في هذا اليوم للدعاء بل يدعو في منزله. وصفة التكبير أن يقول "الله أكبر الله أكبر الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرة وأصيلاً لا إله إلا الله وحده لا شريك له مخلصين له الدين ولو كره الكافرون لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده لا إله إلا الله والله أكبر" ثم ليذبح الهدي إن كان معه والأولى أن يذبح بنفسه وليقل "بسم الله والله أكبر اللهم منك وبك وإليك تقبل مني كما تقبلت من خليلك إبراهيم" والتضحية بالبدن أفضل ثم بالبقر ثم بالشاة. والشاة أفضل من مشاركة ستة في البدنة أو البقرة. والضأن أفضل من المعز قال رسول الله "خير الأضحية الكبش الأقرن والبيضاء أفضل من الغبراء والسوداء" وقال أبو هريرة: البيضاء أفضل في الأضحى من دم سوداوين وليأكل منه إن كانت من هدي التطوع ولا يضحين بالعرجاء والجدعاء والعضباء والجرباء والشرقاء والخرقاء والمقابلة والمدابرة والعجفاء. والجدع في الأنف والأذن للقطع منهما، والعضب في القرن وفي نقصان القوائم والشرقاء المشقوقة الأذن من فوق، والخرقان من أسفل، والمقابلة المخروقة الأذن من قدام، والمدابرة من خلف. والعجفاء المهزولة التي لا تتقي أي لا مخ فيها من الهزال. ثم ليحلق بعد ذلك والسنة أن يستقبل القبلة ويبتدىء بمقدم رأسه فيحلق الشق الأيمن إلى العظمين المشرفين على القفا ثم ليحلق الباقي ويقول "اللهم أثبت لي بكل شعرة حسنة وامح عني بها سيئة وارفع لي بها عندك درجة" والمرأة تقصر الشعر. والأصلع يستحب له إمرار الموسى على رأسه ومهما حلق بعد رمي الجمرة فقد حصل له التحلل الأول وحل له كل المحذورات إلا النساء والصيد. ثم يفيض إلى مكة ويطوف كما وصفناه. وهذا الطواف طواف ركن الحج ويسمى طواف الزيارة وأول وقته بعد نصف الليل من ليلة النحر، وأفضل وقته يوم النحر ولا آخر لوقته بل له أن يؤخر إلى أي وقت شاء، ولكن يبقى مقيداً بعلقة الإحرام فلا تحل لهه النساء إلى أن يطوف. فإذا طاف تم التحلل وحل الجماع وارتفع الإحرام بالكلية ولم يبق إلا رمي أيام التشريق والمبيت بمنى وهي واجبات بعد زوال الإحرام على سبيل الاتباع للحق وكيفية هذا الطواف مع الركعتين كما سبق في طواف القدوم. فإذا فرغ من الركعتين فليسع كما وصفنا إن لم يكن سعى بعد طواف القدوم وإن كان قد سعى فقد وقع ذلك ركناً فلا ينبغي أن يعيد السعي. وأسباب التحلل ثلاثة: الرمي والحلق والطواف الذي هو ركن. ومهما أتى باثنين من هذه الثلاثة فقد تحلل أحد التحللين، ولا حرج عليه في التقديم والتأخير بهذه الثلاث مع الذبح، ولكن الأحسن أن يرمي ثم يذبح ثم يحلق ثم يطوف. والسنة للإمام في هذا اليوم أن يخطب بعد الزوال وهي خطبة وداع رسول الله ففي الحج أربع خطب: خطبة يوم السابع وخطبة يوم عرفة وخطبة يوم النحر وخطبة يوم النفر الأول، وكلها عقيب الزوال وكلها إفراد إلا خطبة يوم عرفة فإنها خطبتان بينهما جلسة. ثم إذا فرغ من الطواف عاد إلى منى للمبيت والرمي فيبيت تلك الليلة بمنى وتسمى ليلة القر لأن الناس في غد يقرون بمنى ولاينفرون. فإذا أصبح اليوم الثاني من العيد وزالت الشمس اغتسل للرمي وقصد الجمرة الأولى التي تلي عرفة وهي على يمين الجادة ويرمى إليها بسبع حصيات، فإذا تعداها انحرف قليلاً عن يمين الجادة ووقف مستقبل القبلة وحمد الله تعالى وهلل وكبر ودعا مع حضور القلب وخشوع الجوارح ووقف مستقبل القبلة قدر مستقبل القبلة قدر قراءة سورة البقرة مقبلاً على الدعاء، ثم يتقدم إلى الجمرة الوسطى ويرمي كما رمى الأولى ويقف كما وقف للأولى ثم يتقدم إلى جمرة العقبة ويرمي سبعاً، ولا يعرج على شغل بل يرجع إلى منزله ويبيت تلك الليلة بمنى وتسمى هذه الليلة ليلة النفر الأول، ويصبح فإذا صلى الظهر في اليوم الثاني من أيام التشريق رمى في هذا اليوم إحدى وعشرين حصاة كاليوم الذي قبله. ثم هو مخير بين المقام بمنى وبين العود إلى مكة. فإن خرج من منى قبل غروب الشمس فلا شيء عليه وإن صبر إلى الليل فلا يجوز له الخروج بل لزمه المبيت حتى يرمي في يوم النفر الثاني أحداً وعشرين حجراً كما سبق. وفي ترك المبيت والرمي إراقة دم وليتصدق باللحم. وله أن يزور البيت في ليالي منى بشرط أن لا يبيت إلا بمنى كان رسول الله يفعل ذلك ولا يتركن حضور الفرائض مع الإمام في مسجد الخيف فإن فضله عظيم فإذا أفاض من منى فالأولى أن يقيم بالمحصب من منى ويصلي العصر والمغرب والعشاء ويرقد رقدة فهو السنة. رواه جماعة من الصحابة رضي الله عنهم. فإن لم يفعل ذلك فلا شيء عليه.

الجملة الثامنة

في صفة العمرة وما بعدها إلى طواف الوداع

من أراد أن يعتمر قبل حجه أو بعده كيفما أراد فليغتسل ويلبس ثياب الإحرام كما سبق في الحج ويحرم بالعمرة من ميقاتها، وأفضل مواقيتها الجعرانة ثم التنعيم ثم الحديبية. وينوي العمرة ويلبي ويقصد مسجد عائشة رضي الله عنها ويصلي ركعتين ويدعو بما شاء. ثم يعود إلى مكة وهو يلبي حتى يدخل المسجد الحرام. فإذا دخل المسجد ترك التلبية وطاف سبعاً وسعى سبعاً كما وصفنا. فإذا فرغ حلق رأسه وقد تمت عمرته. والمقيم بمكة ينبغي أن يكثر الاعتمار والطواف. وليكثر النظر إلى البيت. فإذا دخله فليصل ركعتين بين العمودين فهو الأفضل وليدخله حافياً موقراً. قيل لبعضهم: هل دخلت بيت ربك اليوم? فقال: والله ما أرى هاتين القدمين أهلاً للطواف حول بيت ربي فكيف أراهما أهلاً لأن أطأ بهما بيت ربي! وقد علمت حيث مشيتا وإلى أين مشيتا. وليكثر شرب ماء زمزم وليستق بيده من غير استنابة إن أمكنه وليرتو منه حتى يتضلع وليقل: اللهم اجعله شفاء من كل داء وسقم وارزقني الإخلاص واليقين والمعافاة في الدنيا والآخرة قال "ماء زمزم لما شرب له" أي يشفي ما قصد به.

الجمعة التاسعة

في طواف الوداع

مهما عن له الرجوع إلى الوطن بعد الفراغ من إتمام الحج والعمرة فلينجز أولاً أشغاله وليشد رحاله وليجعل آخر أشغاله وداع البيت. ووداعه بأن يطوف به سبعاً كما سبق ولكن من غير رمل واضطباع. فإذا فرغ منه صلى ركعتين خلف المقام وشرب من ماء زمزم. ثم يأتي الملتزم ويدعو ويتضرع ويقول "اللهم إن البيت بيتك والعبد عبدك وابن عبدك وابن أمتك حملتني على ما سخرت لي من خلقك حتى سيرتني في بلادك وبلغتني بنعمتك حتى أعنتني على قضاء مناسكك، فإن كنت رضيت عني فازدد عني رضاً وإلا فمن الآن قبل تباعدي عن بيتك هذا أوان انصرافي إن أذنت لي غير مستبدل بك ولا ببيتك ولا راغب عنك ولا عن بيتك. اللهم اصحبني العافية في بدني والعصمة في ديني وأحسن منقلبي وارزقني طاعتك أبداً ما أبقيتني واجمع لي خير الدنيا والآخرة إنك على كل شيء قدير. اللهم لا تجعل هذا آخر عهدي ببيتك الحرام وإن جعلته آخر عهدي فعوضني عنه الجنة" والأحب أن لا يصرف بصره عن البيت حتى يغيب عنه.

الجملة العاشرة

في زيارة المدينة وآدابها

قال "من زارني بعد وفاتي فكأنما زارني في حياتي" وقال "من وجد سعة ولم يفد إلي فقد جفاني" وقال "من جاءني زائراً لا يهمه إلا زيارتي كان حقاً على الله سبحانه أن أكون له شفيعاً" فمن قصد زيارة المدينة فليصل على رسول الله في طريقه كثيراً. فإذا وقع بصره على حيطان المدينة وأشجارها قال "اللهم هذا حرم رسولك فاجعله لي وقاية من النار وأماناً من العذاب وسوء الحساب" وليغتسل قبل الدخول من بئر الحرة وليتطيب وليلبس أنظف ثيابه. فإذا دخلها فليدخلها متواضعاً معظماً وليقل: بسم الله وعلى ملة رسول الله "رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطاناً نصيراً" ثم يقصد المسجد ويدخله ويصلي بجنب المنبر ركعتين. ويجعل عمود المنبر حذاء منكبه الأيمن ويستقبل السارية التي إلى جانبها الصندوق وتكون الدائرة التي في قبلة المسجد بين عينيه فذلك موقف رسول الله قبل أن يغير المسجد. وليجتهد أن يصلي في المسجد الأول قبل أن يزاد فيه. ثم يأتي قبر النبي فيقف عند وجهه وذلك بأن يستدبر القبلة ويستقبل جدار القبر على نحو من أربعة أذرع من السارية التي في زاوية جدار القبر، ويجعل القنديل على رأسه وليس من السنة أن يمس الجدار ولا أن يقبله بل الوقوف من بعد أقرب للاحترام، فيقف ويقول "السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا نبي الله السلام عليك يا أمين الله السلام عليك يا حبيب الله السلام عليك يا صفوة الله السلام عليك يا خيرة الله السلام عليك يا أحمد السلام عليك يا محمد السلام عليك يا أبا القاسم السلام عليك يا ماحي السلام عليك يا عاقب السلام عليك يا حاشر السلام عليك يا بشير السلام عليك يا نذير السلام عليك يا طهر السلام عليك يا طاهر السلام عليك يا أكرم ولد آدم السلام عليك يا سيد المرسلين السلام عليك يا خاتم النبيين السلام عليك يا رسول رب العالمين السلام عليك يا قائد الخير السلام عليك يا فاتح البر السلام عليك يا نبي الرحمة السلام عليك يا هادي الأمة السلام عليك يا قائد الغر المحجلين السلام عليك وعلى أهل بيتك الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً السلام عليك وعلى أصحابك الطيبين وعلى أزواجك الطاهرات أمهات المؤمنين جزاك الله عنا أفضل ما جزى نبياً عن قومه ورسولاً عن أمته وصلى عليك كلما ذكرك الذاكرون وكلما غفل عنك الغافلون وصلى عليك في الأولين والآخرين أفضل وأكمل وأعلى وأجل وأطيب وأطهر ما صلى على أحد من خلقه كما استنقذنا بك من الضلالة وبصرنا بك من العماية وهدانا بك من الجهالة أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنك عبده ورسوله وأمينه وصفيه وخيرته من خلقه وأشهد أنك قد بلغت الرسالة وأديت الأمانة ونصحت الأمة وجاهدت عدوك وهديت أمتك وعبدت ربك حتى أتاك اليقين فصلى الله عليك وعلى أهل بيتك الطيبين وسلم وشرف وكرم وعظم وإن كان قد أوصي بتبليغ سلام فيقول "السلام عليك من - فلان - السلام عليك من - فلان - ثم يتأخر قدر ذراع ويسلم على أبي بكر الصديق رضي الله عنه. ثم يتأخر قدر ذراع ويسلم على الفاروق عمر رضي الله عنه ويقول "السلام عليكما يا وزيري رسول الله والمعاونين له على القيام بالدين مادام حياً والقائمين في أمته بعده بأمور الدين تتبعان في ذلك آثاره وتعملان بسنته فجزاكما الله خير ما جزى وزيري نبي عن دينه. ثم يرجع فيقف عند رأس رسول الله - بين القبر والاسطوانة اليوم - ويستقبل القبلة وليحمد الله عز وجل وليمجده وليكثر من الصلاة على رسول الله ثم يقول "اللهم إنك قد قلت وقولك الحق "ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً" اللهم إنا قد سمعنا قولك وأطعنا أمرك وقصدنا نبيك متشفعين به إليك في ذنوبنا وما أثقل ظهورنا من أوزارنا تائبين من زللنا معترفين بخطايانا وتقصيرنا فتب اللهم علينا وشفع نبيك هذا فينا وارفعنا بمنزلته عندك وحقه عليك. اللهم اغفر للمهاجرين والأنصار واغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان. اللهم لا تجعله آخر العهد من قبر نبيك ومن حرمك يا أرحم الراحمين.

ثم يأتي الروضة فيصلي فيها ركعتين ويكثر من الدعاء ما استطاع لقوله "ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة ومنبري على حوضي" ويدعو عند المنبر ويستحب أن يضع يده على الرمانة السفلى التي كان رسول الله يضع يده عليها عند الخطبة ويستحب له أن يأتي أحداً يوم الخميس ويزور قبور الشهداء فيصلي الغداة في مسجد النبي . ثم يخرج ويعود إلى المسجد لصلاة الظهر فلا يفوته فريضة في الجماعة في المسجد. ويستحب أن يخرج كل يوم إلى البقيع بعد السلام على رسول الله ويزور قبر عثمان رضي الله عنه وقبر الحسن بن علي رضي الله عنهما، وفيه أيضاً قبر علي ابن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد رضي الله عنهم، ويصلي في مسجد فاطمة رضي الله عنها ويزور قبر إبراهيم ابن رسول الله وقبر صفية عمة رسول الله فذلك كله بالبقيع. ويستحب له أن يأتي مسجد قباء في كل سبت ويصلي فيه لما روي أن رسول الله "قال من خرج من بيته حتى يأتي مسجد قباء ويصلي فيه كان له عدل عمرة" ويأتي بئر أريس يقال إن النبي تفل فيها وهي عند المسجد فيتوضأ منها ويشرب من مائها ويأتي مسجد الفتح وهو على الخندق. وكذا يأتي سائر المساجد والمشاهد ويقال إن جميع المشاهد والمساجد بالمدينة ثلاثون موضعاً يعرفها أهل البلد فيقصد ما قدر عليه وكذلك يقصد الآبار التي كان رسول الله يتوضأ منها ويغتسل ويشرب منها وهي سبع آبار طلباً للشفاء وتبركاً به وإن أمكنه الإقامة بالمدينة مع مراعاة الحرمة فلها فضل عظيم قال "لا يصبر على لأوائها وشدتها أحد إلا كنت له شفيعاً يوم القيامة" وقال "من استطاع أن يموت بالمدينة فليمت فإنه لن يموت بها أحد إلا كنت له شفيعاً أو شهيداً يوم القيامة" ثم إذا فرغ من أشغاله وعزم على الخروج من المدينة فالمستحب أن يأتي القبر الشريف ويعيد دعاء الزيارة - كما سبق - ويودع رسول الله ويسأل الله عز وجل أن يرزقه العودة إليه ويسأل السلامة في سفره. ثم يصلي ركعتين في الروضة الصغيرة وهي موضع مقام رسول الله قبل أن زيدت المقصورة في المسجد. فإذا خرج فليخرج رجله اليسرى أولاً ثم اليمنى وليقل "اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ولا تجعله آخر العهد بنبيك وحط أوزاري بزيارته وأصحبني في سفري السلامة ويسر رجوعي إلى أهلي ووطني سالماً يا أرحم الراحمين" وليتصدق على جيران رسول الله بما قدر عليه. وليتتبع المساجد التي بين المدينة ومكة فيصلي فيها وهي عشرون موضعاً.

فصل في سنن الرجوع من السفر

"كان رسول الله إذا قفل من غزو أو حج أو عمرة يكبر على رأس كل شرف من الأرض ثلاث تكبيرات ويقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده" وفي بعض الروايات "وكل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون" فينبغي أن يستعمل هذه السنة في رجوعه. وإذا أشرف على مدينته يحرك الدابة ويقول "اللهم اجعل لنا بها قراراً ورزقاً حسناً. ثم ليرسل إلى أهله من يخبرهم بقدومه كي لا يقدم عليهم بغتة فذلك هو السنة ولا ينبغي أن يطرق أهله ليلاً فإذا دخل البلد فليقصد المسجد أولاً وليصل ركعتين فهو السنة كذلك كان يفعل رسول الله . فإذا دخل بيته قال "توباً توباً لربنا أوباً لا يغادر علينا حوباً" فإذا استقر في منزله فلا ينبغي أن ينسى ما أنعم الله به عليه من زيارة بيته وحرمه وقبر نبيه فيكفر تلك النعمة بأن يعود إلى الغفلة واللهو والخوض في المعاصي، فما ذلك علامة الحج المبرور بل علامته أن يعود زاهداً في الدنيا راغباً في الآخرة متأهباً للقاء رب البيت بعد لقاء البيت.