آثار البلاد وأخبار العباد/المقدمة الثالثة

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة



المقدمة الثالثة في أقالیم الارض


قال أبو الريحان الخوارزمي : إذا فرضنا أن دائرة معدل النهار تقطع كرة الأرض بنصفين : يسمّى أحد النصفين جنوبا والآخر شمالا. وإذا فرضنا دائرة تعبر عن قطبي معدّل النهار وتقطع الأرض صارت كرة الأرض أربعة أرباع : رربعان جنوبيّان وربعان شماليّان فالربع الشمالي المكشوف يسمّى ربعا مسكونا والربع المسكون مشتمل على البحار والجزائر والأنهار والجبال والمفاوز والبلدان والقرى على أن ما بقي منها تحت قطب الشمال قطعة غير مسكونة من افراط البرد وتراكم الثلوج وهذا الربع المسكون قسموه سبعة أقسام كلّ قسم يسمّى إقليما كأنّه بساط مفروش من الشرق إلى الغرب طولا ومن الجنوب إلى الشمال عرضا وإنّها مختلفة الطول والعرض فأطولها وأعرضها الإقليم الأوّل فإن وله من المشرق إلى المغرب نحو من ثلاثة آلاف فرسخ وعرضه من الجنوب إلى الشمال نحو من مائة وخمسين فرسخا وأقصرها طولا وعرضا الإقليم السابع فإن طوله من المشرق إلى المغرب نحو من ألف وخمسماية فرسخ وعرضه من الجنوب إلى الشمال نحو من خمسين فرسخاً.

وأما سائر الاقاليم فمختلف طولها وعرضها وهذه صورة كرة الارض بأقاليمها.

وهذه القسمة ليست قسمة طبيعية لكنها خطوط وهمية وضعها الاولون الذين طافوا بالربع المسكون من الأرض ليعلموا بها حدود الممالك والمسالك مثل افريدون النبطي واسكندر الرومي واردشير الفارسي وإذا جاوزو الاقاليم السبعة فمنعهم من سلوكها البحار الزاخرة والجبال الشامخة والهوية المفرطة التغير في الحر والبرد والظلمة في ناحية الشمال تحت مدار بنات النعش فإن البراد هناك مفرط جداً لن ستة أشهر هناك شتاء وليل فيظلم الهواء ظلمة شديدة ويجمد الماء لشدة البرد فلا حيوان هناك ولا نبات.

وفي مقابلتها من ناحية الجنوب تحت مدار سهيل يكون ستة أشهر صيفاً نهاراً كله فيحمى الهواء ويصير نارا سموما يحرق كلّ شيء فلا نبات ولا حيوان هناك.

وأمّا جانب المغرب فيمنع البحر المحيط السلوك فيه لتلاطم الأمواج. وأمّا جانب المشرق فيمنع البحر والجبال الشامخة فإذا تأمّلت وجدت الناس محصورين في الأقاليم السبعة وليس لهم علم بحال بقية الأرض. فلنذكر ما وصل إلينا بقعة بقعة في إقليم إقليم مرتبة على حروف المعجم والله الموفق للسداد والهادي إلى سواء الصراط.