شعر الشافعي قبل موته

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

خف الله وأرجه لكل عظيمة  :: ولاتطع النفس اللجوج فتندما

وكن بين هاتين من الخوف والرجا  :: وأبشر بعفو الله إن كنت مسلما

إليك إله الخلق أرفعُ رغبتي  :: وإن كنتُ يا ذا المن والجود مجرما

ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي  :: جعلتُ الرجا مني لعفوك سلما

تعاظمني ذنبي فلما قرنته  :: بعفوك ربي كان عفوك أعظما

فما زلت ذا عفو عن الذنب لم تزل  :: تجود وتعفو منّةً وتكرّما

فلولاك لم يصمد لإبليس عابدٌ  :: فكيف وقد أغوى صفيك آدما

فليت شعري هل أصير لجنةٍ  :: أهنأ وإما إلى سعير فأندما

فلله در العارف النّدبِ إنه :: تفيض لفرض الوجد أجفانه دما

يُقيم اذا ما الليلُ مدّ ظلامه :: على نفسه من شدّةِ الخوفِ مأتما

فصيحا إذا ما كان في ذكر ربه :: وفيما سواه في الورى كان أعجما

ويذكر أيامًا مضت من شبابه :: وما كان فيها بالجهالة أجرما

فصار قرين الهم طول نهاره :: أخا السهد والنجوى إذا الليل أظلما

يقول: حبيبي أنت سؤلي وبغيتي :: كفى بك للراجين سؤلا ومغنما

ألستَ الذي غذيتنى وهديتني:: ولا زلت منانا علي ومنعما

عسى من له الاحسان يغفر زَلتي :: ويستر أوزارى وما قد تقدما

تعاظمني ذنبي فأقبلت خاشعا :: ولولا الرضا ما كنتَ يارب مُنعما

فإن تعفُ عني تعفُ عن متمرد :: ظلوم غشوم لا يُزَايِلُ مَأثما

فإن تنتقم منى فلست بآيسٍ :: ولو أدخلوا نفسى بجرمٍ جهنّما

فجُرمي عظيم من قديم وحادثٍ :: وعفوُك يأتي العبد أعلي وأجسما

حواليّ فضلُ الله من كل جانبٍ :: ونورٌ من الرحمن يفترش السما

وفي القلب إشراقُ المُحبِ بوصلِهِ :: إذا قارب البشرى وحاز الي الحمى

حواليّ إيناسٌ من الله وحده :: يطالعني في ظلمة القبر أنجما

أصون ودادي ان يُدنسه الهوى :: وأحفظ عهد الحب أن يتثلّما

ففي يقظتي شوقٌ وفي غفوتي منىً :: تُلاحقُ خطوى نشوةً وترنما

ومن يعتصم بالله يسلم من الورى :: ومن يرجُهُ هيهات أن يتندما