الكتاب الأخضر/الفصل الأول/المؤتمرات الشعبية واللجان الشعبية
المؤتمرات الشعبية هي الوسيلة الوحيدة للديمقراطية الشعبية. إن أي نظام للحكم خلافاً لهذا الأسلوب ، أسلوب المؤتمرات الشعبية ،هو نظام حكم غير ديمقراطي. إن كافة أنظمة الحكم السائدة في العالم الآن ليست ديمقراطية ما لم تهتد إلى هذا الأسلوب. المؤتمرات الشعبية هي آخر المطاف لحركة الشعوب نحو الديمقراطية. المؤتمرات الشعبية واللجان الشعبية هي الثمرة النهائية لكفاح الشعوب من أجل الديمقراطية. المؤتمرات الشعبية واللجان الشعبية ليست من صنع الخيال بقدر ما هي نتـاج للفكر الإنساني الذي استوعب كافة التجارب الإنسانية من أجل الديمقراطية. إن الديمقراطية المباشرة هي الأسلوب المثالي الذي ليس محل نقاش أو خلاف في حالة تحققه واقعياً. وبما أن الشعب مهما كان عدده يستحيل جمعه دفعة واحدة ليناقش ويتدارس ويقرر سياسته ، لذا انصرفت الأمم عن الديمقراطية المباشرة وبقيت مجرد فكرة طوباوية بعيدة عن دنيا الواقع. وقد استعيض عنها بنظريات حكم عديدة كالمجالس النيابية والتكثلات الحزبية ، والاستفتاءات التي أدت جميعها إلى عزل الشعب عن ممارسة سياسة شؤونه ، وسلب سيادته ، واحتكار السياسة والسيادة من قبل تلك الأدوات المتعاقبة والمتصارعة على الحكم ... من الفردإلى الطبقة ، إلى الطائفة والقبيلة إلى المجلس أو الحزب . ولكن الكتاب الأخضـر يبشر الشعوب بالهداية إلى طريق الديمقراطية المباشرة وفق نظام بديع وعملي … وحيث إن فكرة الديمقراطية المباشرة لا يختلف عليها اثنان عاقلان على أنها المثلى … بيد أن أسلوب تطبيقها كان مستحيلاً … وحيث إن هذه النظرية العالمية الثالثة تقدم لنا تجربة واقعية للديمقراطية المباشرة، إذن انحلت مشكلة الديمقراطية نهائياً في العالم ..ولم يبق أمام الجماهير إلا الكفاح للقضاء على كافة أشكال الحكم الدكتاتورية السائدة في العالم الآن ، والتي تسمى زيفاً بالديمقراطية بأشكالها المتعددة …من المجالس النيابية إلى الطائفة والقبيلة والطبقة ، إلى الحزب الواحد ، إلى الحزبين، إلى تعدد الأحزاب. ليس للديمقراطية إلا أسلوب واحد ونظرية واحدة .. وما تباين واختلاف الأنظمة التي تدعي الديمقراطية إلا دليل على أنها ليست ديمقراطية... ليس لسلطة الشعب إلا وجه واحد ، ولايمكن تحقيق السلطة الشعبية إلا بكيفية واحدة... وهي المؤتمرات الشعبية واللجان الشعبية. (( فلا ديمقراطية بدون مؤتمرات شعبية )) و(( اللجان في كل مكان )). أولاً_ يقسم الشعب إلى مؤتمرات شعبية أساسية ويختار كل مؤتمر أمانة له ، ومن مجموع أمانات المؤتمرات تتكون مؤتمرات شعبية غير الأساسية ... ثم تختار جماهير تلك المؤتمرات الشعبية الأساسية لجاناً شعبية إدارية لتحلّ محل الإدارة الحكومية ، فتصبح كل المرافق في المجتمع تدار بواسطة لجان شعبية. وتصير اللجان الشعبية التي تدير المرافق مسؤولة أمام المؤتمرات الشعبية الأساسية التي تملي عليها السياسة وتراقبها في تنفيذ تلك السياسة. وبهذا تصبح الإدارة شعبية والرقابة شعبية ، وينتهي التعريف البالي للديمقراطية الذي يقول: (( الديمقراطية هي رقابة الشعب على الحكومة )) ليحل محله التعريف الصحيح وهو (( الديمقراطية هي رقابة الشعب على نفسه)). إن المواطنين جميعاً الذين هم أعضاء تلك المؤتمرات الشعبية ينتمون وظيفياً أو مهنياً إلى فئات مختلفة ... لذا عليهم أن يشكلوا مؤتمرات شعبية مهنية خاصة بهم، علاوة على كونهم مواطنين أعضاء في المؤتمرات الشعبية الأساسية أو اللجان الشعبية ... إن ما تتناوله المؤتمرات الشعبية واللجان الشعبية يرسم في صورته النهائية في مؤتمر الشعب العام الذي تلتقي فيه أمانات المؤتمرات الشعبية واللجان الشعبية، وإن ما يصوغه مؤتمر الشعب العام الذي يجتمع دورياً أو سنوياً يطرح بالتالي على المؤتمرات الشعبية واللجان الشعبية ليبدأ التنفيذ من قبل اللجان الشعبية المسؤولة أمام المؤتمرات الشعبية الأساسية. إن مؤتمر الشعب العام ليس مجموع أعضاء أو أشخاص طبيعيين كالمجالس النيابية، إنه لقاء المؤتمرات الشعبية واللجان الشعبية. بذلك تنحل مشكلة أداة الحكم بداهة وتنتهي الأدوات الدكتاتورية ، ويصبح الشعب هو أداة الحكم ، وتحل نهائياً معضلة الديمقراطية في العالم.