الكتاب الأخضر/الفصل الأول/شريعة المجتمع
الشريعة هي المشكلة الأخرى المرادفة لمشكلة أداة الحكم والتي لم تحل بعد في العصر الحديث، برغم أنها حلت في فترات من التاريخ. أن تختص لجنة أو مجلس بوضع شريعة للمجتمع ، ذلك باطل وغير ديمقراطي. أن تعدّل شريعة المجتمع أو تلغى بواسطة فرد أو لجنة أو مجلس ، ذلك أيضاً باطل وغير ديمقراطي. إذن ، ما هي شريعة المجتمع ؟ ومن يضعها ؟ًًًًُ وما أهميتها بالنسبة للديمقراطية ؟. الشريعة الطبيعية لأي مجتمع هي العرف أو الدين.أي محاولة أخرى لإيجاد شريعة لأي مجتمع خارجة عن هذين المصدرين هي محاولة باطلة وغير منطقية.الدساتير ليست هي شريعة المجتمع ... الدستور عبارة عن قانون وضعي أساسي.إن ذلك القانون الوضعي الأساسي يحتاج إلى مصدر يستند إليه حتى يجد مبرره. إن مشكلة الحرية في العصر الحديث هي أن الدساتير صارت هي شريعة المجتمع ،وأن تلك الدساتير لا تستند إلا إلى رؤية أدوات الحكم الدكتاتورية السائدة في العالم، من الفرد إلى الحزب ، و الدليل على ذلك هو الاختلاف من دستور إلى آخر برغم أن حرية الإنسان واحدة. وسبب الاختلاف هو اختلاف رؤية أدوات الحكم ، و هذا هو مقتل الحرية في نظم العالم المعاصر. إن الأسلوب الذي تبتغيه أدوات الحكم في السيطرة على الشعوب هو الذي يفرغ في الدستور ، وتجبر الناس علــى إطاعته بقوة القوانين المنبثقة عن الدستور المنبثق من أمزجة ورؤية أداة الحكم. إن سنّة أدوات الحكم الدكتاتورية هي التي حلت محل سنّة الطبيعة. القانون الوضعي حل محل القانون الطبيعي ففقدت المقاييس. إن الإنسان هو الإنسان في أي مكان . واحد في الخلقة … وواحد في الإحساس. ولهذا جاء القانون الطبيعي ناموساً منطقياً للإنسان كواحد ، ثم جاءت الدساتير كقوانين وضعية تنظرإلى الإنسان غير واحد، وليس لها ما يبررها في تلك النظرة إلا مشيئة أدوات الحكم ... الفرد أو المجلس أو الطبقة أو الحزب للتحكم في الشعوب. وهكذا نرى الدساتير تتغير عادة بتغير أداة الحكم ، وهذا يدل على أن الدستور مزاج أدوات الحكم وقائم لمصلحتها وليس بقانون طبيعي. إن هذا هو الخطر المحدق بالحرية الكامن في فقدان الشريعة الحقيقية للمجتمع الإنساني واستبدالها بتشريعات وضعية وفـق الأسلوب الذي ترغبه أداة الحكم في حكم الجماهير ... و الأصل هو أن أسلوب الحكم هو الذي يجب أن يتكيف وفقاً لشريعة المجتمع لا العكس. إذن ، شريعة المجتمع ليست محل صياغة وتأليف. وتكمن أهمية الشريعة في كونها هي الفيصل لمعرفة الحق والباطل ، والخطأ والصواب ، وحقوق الأفراد وواجباتهم . إذ إن الحرية مهددة ما لم يكن للمجتمع شريعة مقدسة و ذات أحكام ثابتة غير قابلة للتغيير أو التبديل بواسطة أي أداة من أدوات الحكم ، بل أداة الحكم هي الملزمة باتباع شريعة المجتمع ... ولكن الشعوب الآن في جميع أنحاء العالم تحكـم بواسطـة شرائـع وضعية قابلـة للتغيير والإلغاء حسب صراع أدوات الحكم على السلطة. إن استفتاء الشعوب على الدساتير أحياناً ليس كافياً ، لأن الاستفتاء في ذاته تدجيل على الديمقراطية، ولا يسمح إلا بكلمة واحدة وهي (نعم) أو (لا) فقط. ثم إن الشعوب مرغمة على الاستفتاء بحكم القوانين الوضعية ، والاستفتاء على الدستور لا يعني أنه شريعة المجتمع ، و لكن يعني أنه دستور فحسب ، أي هو الشيء موضوع الاستفتاء ليس إلا. شريعة المجتمع تراث إنساني خالد ليس ملكاً للأحياء فقط. ومن هذه الحقيقة تصبح كتابة دستور واستفتاء الحاضرين عليه لوناً من الهزل. إن موسوعات القوانيـن الوضعية الناشئة عن الدساتير الوضعية مليئة بالعقوبات المادية الموجهة ضد الإنسان ، أما العرف فهو خال تقريباً من تلك العقوبات ... العرف يوجب عقوبات أدبية غير مادية لائقة بالإنسان ... الدين يحتوي العرف ويستوعبه … ومعظم العقوبات المادية في الدين مؤجلة ، وأكثر أحكامه مواعظ وإرشادات وإجابات على أسئلة ، وتلك أنسب شريعة لاحترام الإنسان. الدين لا يقرر عقوبات آنية إلا في حالات قصوى ضرورية للمجتمع. الدين احتواء للعرف . والعرف تعبير عن الحياة الطبيعية للشعوب … إذن ، الدين المحتوي للعرف تأكيد للقانون الطبيعي.إن الشرائع اللادينية اللاعرفية هي ابتداع من إنسان ضد إنسان آخر ، وهي بالتالي باطلة لأنها فاقدة للمصدر الطبيعي الذي هو العرف والدين.