يمضي لك السيف ما تنويه والقلم

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

يُمضي لك السيفُ ما تَنْويهِ والقلمُ

​يُمضي لك السيفُ ما تَنْويهِ والقلمُ​ المؤلف عبد الجبار بن حمديس


يُمضي لك السيفُ ما تَنْويهِ والقلمُ
ويستقلّ برضوى همَّكَ الجَمَمُ
لو شئتَ أغناكَ جدّ عن محجَّلةٍ
شعارُ فرسانها الإقدام والقحمُ
تحطَّمُ السمرَ في الأبطال إن طَعَنَتْ
وساقَها للمنايا سائقٌ حُطمُ
لكنّ عزمك عن حزم يثُور به:
بالقَدْحِ يَظْهَرُ ما في الزندِ ينْكتِم
وليس يدرك نفساً منك صابرةً
فيما يسوم العدا منه الرّدى سأم
وإن أرضكَ لو ألقى تعزّزها
منها رغاما على أرض العدا رغمُوا
هذا الأجمّ رَمَتْهُ حَمَّةٌ بشبا
عزمٍ أباحَ حِماهُ فهو مُهتضَمُ
ووجهتْ نحوه بالنصرِ جيشَ وغى
ببحره ظلّ وجهُ الأرض يلتطم
طِرفٌ جموحٌ على الرُّواض من قِدَمٍ
فلا الشكائمُ راضتهُ ولا الخُزُم
أضحتْ سيوفك في تجريدها عوضاً
عليه، من حكماتٍ فيه تحتكمُ
أجدتَ بالقهر عن علمٍ رياضتهُ
ففعلهُ ما تُريكَ الكفُّ والقدم
أحلّ منك ركوباً ذلُّ شِرّتِهِ
وكلُّ مَلْكٍ عليه ظهرُهُ حَرَم
حصنٌ بَنَتهُ لِصَونِ الملك كاهنةٌ
وأُفْرِغَتْ فيه من تدبيرها الحِكَمُ
على الحُصون مُطِلّ في مهابته
تلك البغاثُ وهذا الأجدل القرم
كأنَّهُ من بروجِ الجوّ منفرِدٌ
فنظرةٌ منه فوق الأرض تغتَنَمُ
وأعينُ الخلقِ منه كلمت نظرتْ
على العجائب بالألحاظ تزدحمُ
كالأبلقِ الفردِ لم يَركنْ إلى طمعٍ،
لفتحه قبلها، عُربٌ ولا عجمُ
أو ماردٍ في غرامٍ من تمرّدهِ
بمثلِهِ العُصْمُ في الأطواد تعتصم
يشمّ زَهْرَ الدراري الزُّهرِ من كَثَبٍ
بين البروج بعرنينٍ له شمم
وهو الأجمَّ، ولكن لو يُناطِحُهُ
طودٌ، لنكّبَ عنه، وهو منثلم
كانت مغانية في صَدْرِ الزمان لكمْ
وللأسود الضواري ترجعُ الأجم
زَارَتْ روادة فيه كلُّ داهيةٍ
بمثلها من عُداةِ الحقّ تنتقم
ذاقوا به كلّ ضيقٍ لا انفساحَ له
تصافنوا فيه طرقَ الماء واقتسموا
جهّزتَ حزماً إليهم كلَّ ذي لجبٍ
تُحمّ بالضرب هنديّاتُهُ الخذم
عَرَمْرَمٌ مُقْدم الفرسانِ تَحْسَبُهُ
سَيْلاً يُحَدثُ عمَّا فَجّرَ العَرِم
تعلو الأسودُ رياحاً يطّردنَ به
تنهى وتؤمر في أفواهها اللجم
والحربُ تحرق حوليه نواجذها
ناشتهُ بالعضّ حتى كاد يُلتهم
من كلّ ماضي شبا الكفّينِ قسورةٍ
بالعيشِ في لهواتِ الموت يقتحم
ما جاء في درعه يعدو بحدّته
إلا وأشْبَهَ منه لبدةً غمم
ولا مجانيقَ إلا ضُمرٌ جُعلتْ
صخورها حولها الأبطال والبهم
ترمي قلوبهم بالرعب رؤيتها
كما يروعُ نياماً بالردى الحلم
كأنَّما الحصنُ من خوفٍ أحَاطَ بهم
عليهم، وهو المبنيّ، مُنْهَدِم
ومعلماتِ طَلُوعِ النّبْعِ حيثُ لها
في نَزْعِهِنّ بألحانِ الردى نَغَم
كأنما تسمُ الأعداءَ أسهمها
من الردى بسماتٍ، ويحَ من تَسم
تطيرُ بالرّيش والفولاذ واردةً
من النحور حياضاً ماؤهنّ دم
فإن خَشوا غَرَقاً عُنْوانُهُ بَلَلٌ
هلاّ خشوا را جمات حَشْوُها ديم
من كل عارض نبلٍ غير منقشعٍ
في القطر منه شرارُ الموت يضطرم
حتى إذا أصبحوا جرْحى وقد طمعتْ
في أكلِ قتلاهمُ العقبانُ والرخمُ
نادَوْا بعفوك عنهم فاستجابَ لهمْ
على إساءتِهم من فعلكَ الكرم
أفضْتَ طولاً عليهم بالندى نِعَماً
من بعد ما واقعَتْهُمْ بالرّدى نقم
ولو تَمادَوْا على الرأي الذميمِ ولم
يُسلّموا لك أمرَ الحصن ما سلموا
إنّ الصوارم في فتح الحصون لها
ضربٌ به تُختَلى الأجياد والقمم
إنّ ابن يحيى عليّاً بدرُ مملكةٍ
لِصيدِ آبائهِ الإقدامُ والقدم
ساسَ الأمورَ فشِعبُ الكفرِ مفترقٌ
بالبأس منه، وشِعبُ الدينِ ملتئم
محاولٌ في كميّ الروع طعنته
نجلاء يشهق منها بالحمام فم
معظَّمُ الجود في الأمْلاكِ، لَذَّتُهُ
في بذل مالٍ لهم من بذله ألم
لا يتقّي العُدْمَ في وِرْدٍ ولاَ صَدرٍ
مَنْ صافحت كفَّه من كفّه ذِمَم
وليس يشكو حَرُورا لَذْعُهُ وَهَجٌ
مَنْ مَدّ ظلاًّ عليه باردا، عَلَم
وما وجدتُ عليلاً عنده أملي
فهو الكريمُ، على العلاَّتِ، لا هرم
قد أشْرَبَ الله في قلبي محبّتهُ
فشبّ في مدحه طبعي وبي هَرَم
يا واحدَ الجود والبأس الذي اتفقتْ
بلا اختلافٍ على تفضيله الأمم
زدْ زادك الله في صون الهدى نظراً
إنّ الصليب ليشقى منك والصنم