انتقل إلى المحتوى

يا جارتي

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

يا جارتي

​يا جارتي​ المؤلف إيليا أبو ماضي


قالت لجارتها يوما تسائلها
عنّي، و في طرفها الوسنان أشجان
ما بال الفتى في الدّار معتزلا
كما توحّد نسّاك و رهبان
يأتي المساء عليه و هو مكتئب
و يرجع اللّيل عنه و هو حيران
يمرّ بالقرب منّا لا يكلّمنا
و للحديث مجال، و هو ملسان
و إن نكلّمه لا يفقه مقالتنا
إلاّ كما يفقه التّسبيح سكران
إذا تبسّم، لا تبدو نواجده
و إن بكى، فله نزع و إرنان
فلا ابتسام ذوات الغنج يطربه
و لا ابنه الحان تصيبه و لا الحان
أماله أمل حلو يلذّ به
كما تلذّ بمرأى النّور أجفان
أماله جيرة في الأرض يألفهم
يا جارتي، كان لي أهل و جيران
فنبّت الحرب ما بيني و بينهم
كما تقطّع أمراس و خيطان
فاليوم كلّ الذي في مهجتي ألم
و كلّ ما حولهم بؤس و أحزان
و كان لي أمل إذا كان لي وطن
فيه لنفسي لبانات و خلّان
فجرّدته اللّيالي من محاسنه
كما يعرّى من الأشجار بستان
فلا المغاني التي أشتاق رؤيتها
تلك المغاني، و لا السّكان سكّان
لو المروءة تدري أيّ فاجعة
بالشام، ناح عليها الإنس و الجان
و لو يبثّ بنو لوعتهم
لاهتزّت الأرض لمّا اهتزّ لبنان
قالت: شكوت الذي بالخلق كلّهم
و ما كذبتك إنّ الحرب طوفان
تساوت الناس في البلوى، فقلت لها
هيهات، ما هان قوم مثلما هانوا
أمن يموت و لا ستر يظلّله
كمن عليه أكاليل و تيجان؟
قالت، و يا ويح نفسي من مقالتها
كفكف دموعك، بعض الحزن أهوان
لو كان قومك أهلا للحياة لما
ماتوا و في أرضهم ترك و ألمان
و كلّ من لا يرى في الذّلّ منقصة
لا يستحقّ بأن يبكيه إنسان
كفّي ملامك يا حسناء و اتّئدي
فإنّ مدح ذوي العدوان عدوان
و أنت من أمّة تأبى خلائقها
أن يقتل الطّير في الأقفاص سجّان
و إنّ قومي طيور غير كاسرة
سطت عليها شواهين و عقبان
لا تحسبي أنّني أبكي لمصرعهم
فكلّنا للرّدى شيب و شبّان
لكن بكيت من الباغي يعذّبهم
و هم شيوخ و أطفال و نسوان
ورحت أشكو إليها و هي ساهية
لكنّما قلبها الخفّاق يقظان
حتّى انتهيت فصاحت و هي مجهشة
يا ليت ما قلته زور و بهتان
بل ليتني لم أسائل عنه جارتنا
بل ليت قلبي إذ ساءلت صوّان
ياليت شعري و هذي الحرب قائمة
هل تنجلي و لنا في الشّام إخوان؟
و هل تعود إلى لبنان بهجته
و هل أعود و في لبنان نيسان؟
فأسمع الطير تشدو في خمائله
و أبصر الحقل فيه الشّيخ و البان؟
بني بلادي، و لا أدعو بخيلكم
غير البخيل له قلب ووجدان
بني بلادي، و لا أدعو جبانكم
ما للجبان و لا لي فيه إيمان
بني بلادي، و كم أدعو...! أليس لكم
كسائر الخلق أكباد و آذان؟
لا تضحكوا و بأرض الشّام نائحة
و لا تناموا و في لبنان سهران!