و مما شجاني بارق لاح موهنا

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

و مما شجاني بارقٌ لاحَ موهناً

​و مما شجاني بارقٌ لاحَ موهناً​ المؤلف ابن المعتز


و مما شجاني بارقٌ لاحَ موهناً،
فأكفا إناءَ الدمعِ واستلبَ الغمضا
كأنّ المُلاءَ البِيضَ في يَدِ ناشرٍ،
على الأُفُقِ الغَربيّ يَنفُضُها نَفضَا
رنوتُ إليهِ من بعيدٍ بنظرةٍ
رسولِ قلبٍ لم يطقْ نحوهُ غمضا
له عارضٌ كالجيشِ تفري سواده
عناجيجُ شهبٍ خرقتْ متنهُ ركضا
فبِتُّ ولي خَصمٌ من الشّوقِ غالبٌ،
إذا ما دعَا دَمعي تحَدّرَ وارفَضّا
وأهدَتهُ دَعوائي بنَجدٍ وأهلِها،
فيَا أهلَ نجدٍ هل تُجازُونَني قِرضَا
ألا نكرت شرٌّ شجوني، وراعها
نحولٌ أرقَّ العظمَ واستلبَ الغمضا
و شيبٌ تعرى في الشبابِ، كأنهُ
سراجُ صباحٍ شقّ في الليلِ مبيضا
منعمةٌ محمودةُ الحسنِ غادةٌ،
تكسرُ في أجفانها مرضاً، خفضا
إذا ما مَشَتْ هَزّتْ قَضيباً على نقَاً،
كهَزّ نَسيمِ الغُصنِ رَيحانَهُ غَضّا
سلتْ نافلاتِ الحبّ ممن علمتهُ،
فكيفَ بمشغوفٍ يرى حبها فرضا
أرى كلَّ يومٍ في ظَلامِ مَفارِقي،
شِهابَ مَشيبٍ باقِي الأثرِ مُنقَضّا
و كانتْ يدُ الأيامِ تقبلُ بزتي،
فصارتْ يدُ الأيامِ تنفضني نفضا
وقارَعَني مُلكُ الشّبابِ فأصبَحتْ
عيونُ المها الإنسيّ تنفضني نفضا
رَدّ عليّ الدّهرُ حَدَّ سِلاحِهِ،
فقَطّعني جَرحاً، وأوجَعَني عَضّا
و خلفتُ ماءَ العيشِ، صفو غديرهِ،
و بدلتُ من سلسالهِ نمراً برضا
رويدكَ إنّ الدهرَ ما قد علمتهُ،
ولَيسَ لنا من حُكمهِ كلُّ ما نَرضَى
ولا بُدّ أن يُصغي إلى البؤسِ جانبُ الـ
ـنّعيمِ، ويَقضي مَنعُهُ ثمّ لا يُقضَى
أرى الدّهرَ يَقضي كيفَ شاءَ محكَّماً،
و لا يملكُ الإنسانُ بسطاً ولا قبضا
وإن تَجهَليني بَعدَ عِلمٍ، فإنّني
عرضتُ على الأحداثِ بعدكمُ عرضا
وفَقدُ أُناسٍ لا أخافُ عيونَهم،
قرونيَ من أخلافهم حلباً مخضا
أُرَقّي زَفيري في التّراقي عَليهمُ،
إذا لاعجُ الأحزانِ أوجَعني مَضّا
وصَلتُ جنَاحَ الُودّ بَعدَ فراقهِمْ،
بريشِ ذنابى بعضها يخذلُ البعضا
فعُلقَةُ قلبي كيفَ تَلحَقُ لَهوَهُ،
وأسفارُ أحزاني تُخَلّفُهُ مُنضَى
ألا زودي يا ربةَ الخدرِ راجلاً،
تَتَبّعَ أرضاً قد دَعَتْ شخصَهُ أرضَا
و كيف ثوائي بينَ قومٍ كأنما
تَرُضُّ تحيّاتي وُجوهَهُمُ رَضّا
سرتْ عقربُ الشحناءِ والبغضِ بيننا،
و لا يملكُ الناسُ المحبةَ والبغضا
ألا رُبّ حِلمٍ عادَ رِقّاً وذِلّةً،
و جهلٍ به معطيك ذو الجهلِ ما ترضى