وفيات الأعيان/الأخفش الأصغر

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

أبو الحسن علي بن سليمان بن الفضل المعروف بالأخفش الأصغر النحوي؛ كان عالماً، روى عن المبرد وثعلب وغيرهما، وروى عنه المرزباني وأبو الفرج المعافى الجريري وغيرهما، وكان ثقة، وهو غير الأخفش الأكبر والأخفش الأوسط.

فإن الأخفش الأكبر هو أبو الخطاب عبد الحميد بن عبد المجيد من أهل هجر من مواليهم، وكان نحوياً لغوياً وله ألفاظ لغوية انفرد بنقلها عن العرب وأخذ عنه سيبويه وأبو عبيدة ومن في طبقتهما، ولم أظفر له بوفاة حتى أفرد له ترجمة.

والأخفش الأوسط أبو الحسن سعيد بن مسعدة - وقد تقدم ذكره في حرف السين - وهو صاحب سيبويه.

وكان بين الأخفش المذكور وبين ابن الرومي الشاعر منافسة، فكان الأخفش يباكر داره ويقول عند بابه كلاماً يتطير به، وكان ابن الرومي كثير التطير، فإذا سمع كلامه لم يخرج ذلك اليوم من بيته، فكثر ذلك منه، فهجاه ابن الرومي بأهاج كثيرة، وهي مثبتة في ديوانه، وكان الأخفش يحفظها ويوردها في جملة ما يوردها استحساناً لها وافتخاراً بأنه نوه بذكره إذ هجاه، فلما علم ابن الرومي بذلك أقصر عنه.

وقال المرزباني: لم يكن الأخفش بالمتسع في الرواية للأشعار والعلم بالنحو؛ وما علمته صنف شيئاً البتة ولا قال شعراً، وكان إذا سئل عن مسألة في النحو ضجر وانتهر من يسأله.

وكان وفاة أبي الحسن المذكور في ذي القعدة، وقيل شعبان، سنة خمس عشرة، وقيل ست عشرة وثلثمائة، فجاءة ببغداد، ودفن بمقبرة قنطرة بردان. ودخل مصر سنة سبع وثمانين ومائتين، وخرج منها إلى حلب سنة ست وثلثمائة، رحمه الله تعالى.

والأخفش: بفتح الهمزة وسكون الخاء المعجمة وفتح الفاء وبعدها شين معجمة، وهو الصغير العين مع سوء بصرها.

وبردان: بفتح الباء الموحدة والراء والدال المهملة وبعد الألف نون، وهي قرية من قرى بغداد خرج منها جماعة من العلماء وغيرهم.

وقال أبو الحسن ثابت بن سنان: كان الأخفش المذكور يواصل المقام عند أبي علي ابن مقلة، وأبو علي يراعيه ويبره، فشكا إليه في بعض الأيام ما هو فيه من وشدة الفاقة وزيادة الإضاقة، وسأله أن يكلم الوزير أبا الحسن علي بن عيسى في أمره، ويسأله إقرار رزق له في جملة من يرتزق من أمثاله، فخاطبه أبو علي في ذلك، وعرّفه اختلال حاله وتعذر القوت عليه في أكثر أيامه، وسأله أن يجري عليه رزقاً أسوة بأمثاله، فانتهره الوزير انتهاراً شديداً، وكان ذلك في مجلس حافل، فشق ذلك على أبى علي وقام من مجلسه، وصار إلى منزله لائماً نفسه على سؤاله، ووقف الأخفش على الصورة، فاغتم لها وانتهت به الحال إلى أكل السلجم النيئ، فقيل إنه قبض على فؤاده، فمات فجأة في التاريخ المذكور.

وكان أبو الحسن الأخفش كثيراً ما ينشد وعلي على الناس، وكأنه كان يعرض بأبي علي ابن مقلة الوزير:

هون عليك فإني غير حائيكـا إنني غير ماضٍ في نواحيكا والله لو كانت الدنيا بزينتـهـا وادٍ بكفك لم أحلل بـواديكـا ولو ملكت رقاب الناس كلهم شرقاً وغرباً لما جئنا نهنيكـا