وفدت على بغداد والقلب موجع
المظهر
وفدتُ على بغدادَ والقلب موجعٌ
وفدتُ على بغدادَ والقلب موجعٌ
فهل فرّجت كربى وهل أبرأت دائي
تركت الخطوب السود في مصر فانبرت
سهام العيون السود تصدع أحشائي
تركت دخاناً لو أراد دفعتهُ
بعزمة مفتول الذراعين مضاء
وجئت إلى نارٍ ستشوى جوانحي
وتصهر أضلاعي وتسحق أحنائي
فيا ويح قلبي عضّه الدهر فاكتوى
بلفحة قتّالين جورٍ وإصباء
سمعتُ حماماتٍ ينُحن فعزّني
حنيني إلى صحب بمصر أشحّاء
همُ أسلموني لا عفا الحب عنهم
إلى ليلةٍ من غمرة الحزن ليلاء
أنادمهم بالوهم والقلب عارفٌ
بأني لدى كأس من الدمع حمراء
شربت الأسى صرفا فثارت مدامعي
تذيع حديثي في الغرام وأنبائي
أنا الطائر المجروح يرميه بؤسهُ
لشقوته ما بين نار ورمضاء
فإن عشتُ آذتني جروحي وإن أمت
شوتني في الأرواح نيران بأسائي
أحبّاي في مصر تعالوا فإنني
أودّع في بغدادَ أنسى وسرّائي
تعالوا أعينوني على السهد والضنى
فلم يبق مني غير أطياف أشلاء
تعالوا أحدّثكم ففي القلب لوعة
هي الجاحم المشبوب في جوف قصباء
أحبّاي في مصر وهل لي أحبّة
أحبايَ في مصر تعالوا أحبائي
تعالوا إلى بغداد تلقوا أخاكم
صريع خطوب ينتحين وأرزاء
تعالوا تروني في صروف من الجوى
تهدّم بنياني وتنقضُ حوبائي
عفا الحبّ عن بغدادكم عشت لاهياً
أكاثرُ أيامي بليلى وظمياء
فكيف وقعت اليوم في أسر طفلةٍ
مكحّلة بالسحر ملثوغة الراء
أصاول عينيها بعينيّ والهوى
يشيع الحميّا في فؤادي وأعضائي
وأشهد أطياف الفراديس إن بدت
تراود أحلامي مزاحاً وأهوائي
وألمس نيران الجحيم إذا مضت
تروم بعين الجد بعدى وإقصائي
أكاتم أهليها هيامي ولو دروا
لهامت بجنب الشط أرواح أصدائي
إلى الحب أشكوها فقد ضاق مذهبي
وأخلفني بعد الفراق أعزائي
إلى الحب أشكوها فلولاه لم أبت
حليف هموم يصطر عن وأنواء
إلى الحب أشكو بل إلى اللَه وحده
أفوّض بأسائي لديها ونعمائي
أربّاه أنقذني فأنت رميتني
بقلب على عهد الأحباء بكاء
أرباه لا تفعل فإني أرى الهوى
على وقده بالقلب أنفاس روحاء
أحبّ سعير الوجد فأرم حشاشتي
على جمراتٍ منه حمقاء هوجاء
أحب شقائي في الغرام وإنه
لأروح من مطلولة الزهر شجراء
فيا خالق النار العصوف وشائقي
إليها أدم فيها لواعج إصلائي
أحبك يا ربي فهل أنت شافعي
إلى سرحةٍ في شط دجلة زهراء
شهدت فنائي فيك حين رأيتها
تحاول إضلالي وتنشد إفنائي
ومن أنت يا ربي أجبني فإنني
رأيتك بين الحسن والزهر والماء
أنا الفاتن المفتون فارحم بليّتي
وقدّر بأرجاء الفراديس إثوائي
ولا تخلني في جنة الخلد من هوى
برعبوبَةٍ لا تعرف الرفقَ حمقاء
أحبّ الملاح الهوج في الخلد نفسه
عساني بدار الخلد أهجر إغفائي
تباركت ما الجناتُ من دون لوعةٍ
سوى بقعةٍ في غابة الموت جرداء
يحب ضعيف الروح في الخلد أنسَهُ
إلى غادةٍ مأمونة الغيب بلهاء
وأنشدُ في الجناتِ إن ذقتَ راحها
ملاعبَ من طيش وفتك وإغواء
أضاليلُ يزجيها خيالي وأنثنى
إلى ساحةٍ مطموسة الأنس قفراء
لقد كنتُ في مصر شقيّا فما الذي
ستجنين يا بغداد من وصل إشقائي
أهذا جزائي في العراق وحبّه
أهذا جزائي في رواحي وإسرائي
أخلاي ما بغداد راحي وإن درت
قلوب صباياها مدارج إصبائي
أخلاي ردّوني إلى مصرَ إنني
أرى الظلم دون الوجد تسعير لأواء
سقى الغيث أيامي بحلوان وارتوت
ملاعب أحلامي هناك وأهوائي
فما غدرت بي في حماها نسائمٌ
سقاها ربيع الحب أكواب أنداء
وللَه عهد بالزمالك لم يكن
سوى لمحاتٍ يزدهين وأضواء
هصرت به غصناً نضيراً تفتّحت
أزاهيرهُ في ظل خضراء لفّاء
وأين على مصر الجديدة موردى
وأين سهادى في حماها وإغفائي
أطايبُ ذقناها ولم ندر أنها
لندرتها في الدهر أزهار صحراء
أحبّايَ في مصر الجديدة سارعوا
فقد صرّعتني حول دجلةَ أدوائي
أجدكم هل تعلمون بأنني
وإن كنت جار الشط أشرب أظمائي
خذوني إليكم يا رفاقي فإنني
أحاذرُ في بغداد حتفي وإصمائي
أخاف العيون السود فليرحم الهوى
فجيعة أهلى يوم أقضى وأبنائي
أنادم أحبابي وفي الحق أنني
لهول الذي ألقى أصاول أعدائي
أدجلةُ ما بيني وبينك أفصحي
فقد طال في مغناك تبريح إضنائي
وردتك أستشفى فثارت بليّتي
وأرمضني حزني وأضرعني دائي
سقى وردك المعسول غيري ولم أجد
لهول بلائي غير أو شاب أقذاء
أطال أناسٌ فيك نجوى نعيمهم
وفي شطك المورود ناجيت بأسائي
أدجلةُ أين الحب قولي فإنني
تقلبتُ في نارين حقد وبغضاء
أدجلةُ أين النور قولي فإنني
على الشط أستهدى دياجير ظلمائي
أدجلةُ أبلاني اغترابي وشفّني
هيامى بظلمي في بلادي وإشقائي
أدجلة أنت النيل بغياً وكدرة
فكيف من النارين تسلم أحشائي
أدجلة ساقتني إليك مقادرٌ
تأنّقن في كيدي وأبدعن إيذائي
أدجلة واسيني فللضيف حقّهُ
إذا شئت من زادٍ وحبّ وصهباء
طغى موجك الصخاب فاهتاج لوعتي
وأيقظ أشجاني وبلبل أهوائي
وقفتُ أبتّ الجسر ما بي فلم أكن
سوى نافثٍ في أذن رقطاء صمّاء
وقفتُ أرجّيه ولم أدر أنني
أسطّر أحلامي على ثبج الماء
إلى أين هذا التبر يجرى وحوله
حرائق من أرض على الري جدباء
أرقت دموعي في ثراها فما ارتوت
وهل كان دمعي غير أطياف أنداء
شوتني الخطوب السود شيّا فلم تدع
لمعتسف حلما إذا رام إبكائي
أجبني يا صوب الغوادي فإنني
على علتي في الدهر أساء أدواء
تحدّرتَ مختالاً فلم تغن أمة
تشهّى لطول الجدب أوشال أنهاء
بكىحولك الماضون دهراً فهل رأوا
لدى موجك الصخّاب لحظة إصغاء
تشكّى العراق الجدبَ وارتعت أبتغى
نصيبي فلم أظفر لديك بإرواء
أعندك يا صوب الغوادي تحية
لناس على شطّيك ذاوين أنضاء
تروح إلى البحر الأجاج سفاهةً
على شوق أهل في العراق أودّاء
أبوك السحاب الجود يرتاح جودهُ
إلى كل أرض في العراقين ميثاء
فعمّن أخذت البخل يا جار فتيةٍ
هم الجعفر المنساب في جوف بطحاء
شكا الزهر في شطكي فاخجل ونجّه
من الظمأ الباغي ومن حية الماء
جريت بلا وعي إلى غير غاية
محجّلة بين المصاير غراء
فدعني أطل فيك الملام فلم أكن
سوى شاعر للحمد واللوم وشّاء
أأنت الذي يجفو الظماء لينضوى
إلى لجّة في باحة البحر هوجاء
أأنت الذي يسقى البحار وحوله
أزاهير في سهل يفديه مظماء
وقفنا على شطيك نشكو أوامنا
على نبرات الدف والعود والناء
فأين العطاء الجزل يا فيض مزنةٍ
محمّلة بالخير والشر كلفاء
عشقت شقائي فيك للحبّ إنني
أحب شقائي في رحاب أحبّائي
أبغداد هل تدرين أني مودّعٌ
وأن سمومَ البين تلفح أحشائي
وردتك ملتاعا أصارع في الهوى
دموع رفاقٍ وامقين أخلّاء
تنادوا إلى باب الحديد فدّعوا
بقايا فؤادٍ وافر العطف وضّاء
وفيهم ختولٌ لو أراد لردّني
إلى روضةٍ من يانع الأنس غنّاء
تقدم يستهدى العناق فلم يجد
سوى صخرةٍ مكتومة السر خرساء
وعاد يروض العتب أحلام قلبه
على خطة من شائك الهجر عوجاء
وردتك مطعوناً تثور جروحه
فكان بنوك الأكرمون أطبائي
لحبك يا بغداد والحب أهوجٌ
رأيت فنائي فيك مشرق إحياء
تناسيت في مصر الجديدة صبية
هم الزهر الظمآن في جوف بيداء
يناجون في الأحلام أطياف والدٍ
لعهد بنيه والبنيّات نسّاء
أبغدادُ هذا آخر العهد فاذكرى
مدامع مفطورٍ على الحبّ بكّاء
أبغداد يضنيني فراقك فاذكرى
لدى ذمة التاريخ بيني وإضنائي
خلعت على الدنيا جمالك فانثنت
تخايل في طيب وحسن ولألاء
سيذكرني قومٌ لديك عهدتُهُم
يحبّون ظلّامين ضرّى وإيذائي
سيمسى خصومي بعد حين أحبةً
يذيعون مشكورين أطيب أنبائي
ستذكرُ أرجاءُ الفراتين شاعراً
تفجّر عن مكنونة الدر عصماء
سيسأل قومٌ من زكيٌّ مباركٌ
وجسمي مدفون بصحراء صماء
فإن سألوا عني ففي مصر مرقدي
وفوق ثرى بغداد تمرح أهوائي
ستذكرني غيدٌ ملاحٌ أوانسٌ
أطلن بلائي في الغرام وإشقائي
ستذكرني مصر وما كان قلبها
سوى صخرةٍ في جانب النيل ملساء
إلى اللَه أشكو لؤم دهرى وصرفهُ
وعند الإله البرّ أودع حوبائي