ودع أويقات الصبابة والصبا

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

ودّعْ أويقاتَ الصبابة والصّبا

​ودّعْ أويقاتَ الصبابة والصّبا​ المؤلف رفاعة الطهطاوي


ودّعْ أويقاتَ الصبابة والصّبا
ودعْ التنسيمَ بالنسيم وبالصّبا
واحرصْ على حب المعالي منصبا
إياك تصبو في الهوى مع من صبا
كيف الوثوقُ بمن يداهن في الهوى
ومن اختلال دوحٍ خلته ارتوى
لم تدر منه ما عليه قد انطوى
ويريك حباً والصداقة للسوى
فوريْقُ غصنك بعد إيراقٍ ذوىَ
ومنير وجهك بعد إشراقٍ هوى
فوحقِّ ربِّ العرشِ فلاّقِ النوى
ما استعذَبَ الصبُّ الغرامَ ولا ثوى
إن فاتَ وقتك في التشبب والغزلْ
ولسان شعرك في مهاوي الهزل زَلّ
لا تبق حتى يَسبق السيفُ العزل
بل قم بمدح ولي طهطا منْ نزل
هذا جلالُ الدين وهو أبو علي
هذا جليل الأصل ذو السر الجلي
هذا من الأسرار يا هذا ملي
يا حبذا المولى ويا نعم الولي
من مثله بمكانةٍ زُلفَى اقتربْ
من مثله من ربه بلَغ الأربْ
من مثله بين الأعاجم والعربْ
أبناؤه حازوا الولايةَ والقرب
عبد الرحيم حباه عهد البرزخ
وبمثله الصباغُ صار له سَخِي
كل يمد له يداً من فرسخ
ومن العجائب أن ذا لم يُنسخ
من تلمسان سرى لَيغْزُو وهو في
بستان طهطا ظاهرٌ لم يَختفِ
والطعن بان كشوكةٍ منها شُفى
والمغربي لما حكى هذا نفى
وبأرض طهطا تختهُ وسريرهُ
سلطانها وابن الرضى وزيره
ورفاعةٌ وهو الخطيبُ مشيره
ونقيبهُ طه بها وسفيره
في هيئة الكركي قد نزلَ الحرمْ
نحو الثلاثِ فقام شيخٌ محترم
ثقةً وأقسم أن فيها ذا الكرم
سلطانُ طهطا ابن الحسين ولا جرم
إن كان قد ولدتك أمك أطمسا
فالنورُ لاحَ وبالحنان تأسسا
قد شقّ شيخك ناظريك فلا أسى
وبذا حَوى العريانُ سراً أقدسا
طاقيةُ العريان قد أُلبستَها
رمزاً لسر خلافةٍ آنستَها
كم صنتَ طهطا من أذى وحرستها
كم يدٍ بيضاءَ منك غرستها
وكفاك فخراً قصةُ ابنِ الأحدب
والعفوُ من سلطان مصر لمذْنب
وشهادةُ البلقيني بعدَ تعصب
أخبرته بين الورى بمغيب
أخبرتَ عن عُرب بأرض صعيدها
بذهاب دولتها وعن تبديدها
وبسبحها بدماء بحر حديدها
وبأن من أدنى القرى وبعيدها
من بعد جيلٍ كان ما أبديتَهُ
ومن الذي يَنسى الذي أسديتَهُ
من ناضر الرمان إذ أهديتَه
قبل الأوان وسرعةً أديته
ومنِحتَ فضلا حرف كنْ فزهدتَه
وكذاك كشفُ الافتضاح رددته
وقلبتَ سيفاً ماضياً أعددتَه
لهلاك جبار بغىٍ فطردته
بلغ الأباطحَ والشواطحَ مجدُه
ملأ الجهات الستّ طراً حده
هو قاطعٌ لو لم يصنه غِمده
هو ساطعٌ أبداً يروق فرنده
دينُ الدمشقي حين أثقل ظهرَه
وأتى إليك عساكَ تجبر كَسرَه
أرسلته الأهرام تمحو إصره
لمباركٍ لا زال يقفو إثْره
أعطاه طبقَ السم ما رفع العَنا
عنه وبعد الديْن قد نال الغِنى
لا زالَ ينفقُ لا حسابَ ولا فَنا
لما توفى الشيخُ عن أجلٍ دنا
فأبو حُريْزٍ في الشدائد حرزْنا
وعليه في الدارين حقاً عزُّنا
وهو الذخيرةُ في المعاد وكنزُنا
وبه سعادتنا تدومُ وفوزنا
فاسأل حُريزاً إنْ تشأْ عن حالهِ
واسأل عليّاً عن عليّ خصاله
يَحيي به يحيا جزيلُ نواله
كم شريفٍ جاء من أنجاله
ما فكرتي في نظمها بأديبةٍ
وإذا اقترحْت فتلك غيرُ مُجيبةٍ
لكن بمدحك قد وفتْ بنجيبةٍ
وقصيدةٍ تأتي الملوك غريبةٍ
حسناءُ قد وافتْ بكل براعةٍ
وتقنعتْ أدباً بكل قناعةٍ
وأتتْ إليك تمدُّ كف ضَراعةٍ
ما مهرها إلا خَلاصُ رفاعةٍ
ثم الصلاةُ على النبي المجتَبى
و الآل والأصحاب ما صبٌّ صَبا
أوْهَامَ ذو عشقٍ وأنشدَ مُطربا
ودعْ أُويقاتَ الصبابةِ والصبا