وثيقة مكة المكرمة في الشأن العراقي (20 أكتوبر 2006)

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

ورقة تعريف

بشأن مبادرة منظمة المؤتمر الإسلامي فيما يخص حقن دماء المسلمين ضحايا النزاع الطائفي في العراق


أمام استفحال أمر النزاعات الطائفية في العراق، رأت الأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي، بحكم موقعها كمنظمة وحيدة جامعة لكل البلدان الإسلامية بكل طوائفها ومذاهبها، والناطقة باسمها، والمعبّرة عن قضاياها، أن عليها واجبا أمام الأمة الإسلامية وأمام التاريخ أن تبادر بالقيام بما يوقف نزيف الدم المراق في العراق، ومحاولة نزع فتيل الاقتتال الطائفي هناك.

وتقوم هذه المبادرة على إشراك علماء المسلمين في العراق من سنة وشيعة وغيرهم في إعلان وثيقة تثبت حكم الدين الإسلامي في موضوع القتل العمد للمسلمين بغير حقّ أو حدّ شرعي، وهو حكمٌ وَقَعَ عليه إجماع الأمة بكل مذاهبها، يجرّم هذا العمل، ويتوعد فاعله بأقسى أنواع العقوبة، وبالعذاب في الآخرة.

ولقد لقيت هذه المبادرة استحسان ومباركة علماء المسلمين ومرجعياتهم، وتم عقد اجتماع تحضيري لعلماء المسلمين الشيعة والسنة في مدينة جدة مؤخرا، في مقرّ مجمع الفقه الإسلامي الدولي، لوضع مسودة لهذه الوثيقة.

ومن المنتظر أن تحصل هذه الوثيقة على مباركة كبار رجال الدين من سنة وشيعة، الذين سيحلون بمدينة مكة المكرمة يومي الخميس والجمعة 27 – 28 رمضان 1427هـ الموافق 19 – 20 أكتوبر/تشرين الأول 2006، لإصدار هذه الوثيقة رسميا من المسجد الحرام في شهر رمضان المبارك.

وستكون هذه الوثيقة بمثابة تذكير لمسلمي العراق بفداحة جرم قتل النفس، وتجريم المراجع الدينية لهذا العمل الشنيع. وسيتم تعميم هذه الوثيقة في العراق بكافة وسائط النشر والإشهار، من صحافة مكتوبة، وإذاعات، وفضائيات، وجامعات ومدارس، وفي المساجد والحسينيات، في محاولة للقضاء على بواعث الاقتتال الطائفي الذي استفحل أمره مؤخرا، وصرف المسلمين العراقيين عن هذا النهج الخطير.

وصدور هذه الوثيقة، وما تتضمّنه من تبصير المسلمين بحكم الشرع، وكبار مراجعهم الدينية بحرمة حقن دماء المسلمين، على ألسنة هذه المراجع الدينية العليا التي لها احترام عام، وتأثير مباشر، ورأي مطاع، سيكون له وقعٌ مقبول سيؤدي إلى وضع كل مسلم عراقي أمام مسؤولياته إزاء ربّه، وإزاء دينه ووطنه وأهله إذا ما فكر في الانخراط في عمليات القتل الطائفي، مدفوعاً ببواعث دينية، ثبت خطؤها على لسان مرجعايته الدينية التي ستعلن ذلك رسميا، وعلى رؤوس الأشهاد من الحرم المكي في شهر رمضان المبارك.

والمبادرة إذن ليست مؤتمرا ولا ندوة، ولن تكون فيها مفاوضات، وإنما إعلان لوثيقة مستقاة من الكتاب والسنة بما عليه إجماع الأمة، وتمّ الاتفاق على مشروع لها، حيث ستعمم على المسلمين انطلاقاً من المسجد الحرام في مكة.


وثيقة مكة المكرمة في الشأن العراقي


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله محمد وآله وصحبه أجمعين، وبعد،

بناءً على ما آلت إليه الأوضاع في العراق وما يجري فيه يومياً من إهدار للدماء وعدوان على الأموال والممتلكات تحت دعاوى تتلبس برداء الإسلام والإسلام منها براء، وتلبية لدعوة الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وتحت مظلة مجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع للمنظمة،

نحن علماء العراق من السنة والشيعة، اجتمعنا في مكة المكرمة، في رمضان من عام 1427هـ وتداولنا في الشأن العراقي، وما يمر به أهله من محن ويعانونه من كوارث، وأصدرنا الوثيقة الآتي نصها:

أولاً: المسلم هو من شهد أنه لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وهو بهذه الشهادة يعصم دمه وماله وعرضه إلا بحقها وحسابه على الله. ويدخل في ذلك السنة والشيعة جميعاً، والقواسم المشتركة بين المذهبين أضعاف مواضع الاختلاف وأسبابه. والاختلاف بين المذهبين ــ أينما وجد ــ هو اختلاف نظر وتأويل وليس اختلافاً في أصول الإيمان ولا في أركان الإسلام. ولا يجوز شرعاً لأحد من المذهبين أن يكفر أحداً من المذهب الآخر. لقول رسول الله (ص): (من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما) ولا يجوز شرعاً إدانة مذهب بسبب جرائم بعض أتباعه.

ثانياً: دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم عليهم حرام. قال الله تعالى: [وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا]. وقال النبي: (كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه). وعليه فلا يجوز التعرض لمسلم شيعي أو سني بالقتل أو الإيذاء، أو الترويع أو العدوان على ماله أو التحريض على شيء من ذلك، أو إجباره على ترك بلده أو محل إقامته أو اختطافه أو أخذ رهائن من أهله بسبب عقيدته أو مذهبه ومن يفعل ذلك برئت منه ذمة المسلمين كافة مراجعهم وعلماؤهم وعامتهم.

ثالثاً: لدور العبادة حرمة. وهي تشمل المساجد والحسينيّات وأماكن عبادة غير المسلمين. فلا يجوز الاعتداء عليها أو مصادرتها أو اتخاذها ملاذا للأعمال المخالفة للشرع ويجب أن تبقى هذه الأماكن في أيدي أصحابها وأن يعاد إليهم ما اغتصب منها وذلك كله عملاً بالقاعدة الفقهية المسلمة عند المذاهب كافة أن "الأوقاف على ما اشترطه أصحابها" وأن "شرط الواقف كنص الشارع" وقاعدة أن "المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً".

رابعاً: إن الجرائم المرتكبة على الهوية المذهبية كما يحدث في العراق هي من الفساد في الأرض الذي نهى الله عنه وحرَّمة في قوله تعالى: [وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ.] وليس اعتناق مذهب، أيّاً ما كان،مسوِّغاً للقتل أو العدوان ولو ارتكب بعض أتباعه ما يوجب عقابه إذ [وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى].

خامساً: يجب الابتعاد عن إثارة الحساسيات والفوارق المذهبية والعرقية والجغرافية واللغوية، كما يجب الامتناع عن التنابز بالألقاب وإطلاق الصفات المسيئة من كل طرف على غيره، فقد وصف القرآن الكريم مثل هذه التصرفات بأنها فسوق قال تعالى: [وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ].

سادساً: ومما يجب التمسك به وعدم التفريط فيه، الوحدة والتلاحم والتعاون على البر والتقوى، وذلك يقتضي مواجهة كل محاولة لتمزيقها، قال تعالى: [إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ] وقال: [وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ]؛ ومن مقتضى ذلك وجوب احتراز المسلمين جميعاً من محاولات إفساد ذات بينهم وشق صفوفهم وإحداث الفتن المفسدة لنفوس بعضهم على البعض الآخر.

سابعاً: المسلمون من السنة والشيعة عون للمظلوم ويد على الظالم، يعملون بقول الله تعالى: [إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ] ومن أجل ذلك يجب العمل على إنهاء المظالم وفي مقدمتها إطلاق سراح المختطفين الأبرياء والرهائن من المسلمين وغير المسلمين، وإرجاع المهجرين إلى أماكنهم الأصلية.

ثامناً: يذكِّرُ العلماء الحكومة العراقية بواجبها في بسط الأمن وحماية الشعب العراقي وتوفير سبل الحياة الكريمة له بجميع فئاته وطوائفه، وإقامة العدل بين أبنائه، ومن أهم وسائل ذلك إطلاق سراح المعتقلين الأبرياء، وتقديم من تقوم بحقه أدلة جنائية إلى محاكمة عاجلة عادلة وتنفيذ حكمها، والإعمال الدقيق لمبدأ المساواة بين المواطنين.

تاسعاً: يؤيد العلماء من السنة والشيعة جميع الجهود والمبادرات الرامية إلى تحقيق المصالحة الوطنية الشاملة في العراق عملاً بقوله تعالى: [وَالصُّلْحُ خَيْرٌ] وبقوله: [وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى].

عاشراً: المسلمون السنة والشيعة يقفون بهذا صفاً واحداً للمحافظة على استقلال العراق، ووحدته، وسلامة أراضيه، وتحقيق الإرادة الحرة لشعبه؛ ويساهمون في بناء قدراتهم العسكرية والاقتصادية والسياسية ويعملون من أجل إنهاء الاحتلال، واستعادة الدور الثقافي والحضاري العربي والإسلامي والإنساني للعراق.


إن العلماء الموقعين على هذا الوثيقة يدعون علماء الإسلام في العراق وخارجه، إلى تأييد ما تضمنته من بيان، والالتزام به، وحث مسلمي العراق على ذلك. ويسألون الله وهم في بلده الحرام، أن يحفظ على المسلمين كافة دينهم وأن يؤمِّن لهم أوطانهم، وأن يخرج العراق المسلم من محنته وينهي أيام ابتلاء أهله بالفتن، ويجعله درعاً لأمة الإسلام في وجه أعدائها.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.