هي الاخلاق تنبت كالنبات

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

هي الاخلاقُ تنبتُ كالنبات

​هي الاخلاقُ تنبتُ كالنبات​ المؤلف معروف الرصافي


هي الاخلاقُ تنبتُ كالنبات
اذا سقيت بماء المكرماتِ
تقوم إذا تعهدها المُربي
على ساق الفضيلة مُثمِرات
وتسمو للمكارم باتساقٍ
كما اتسقت أنابيبُ القناة
وتنعش من صميم المجد رُوحا
بازهارٍ لها متضوعات
ولم أر للخلائق من محلِّ
يُهذِّبها كحِضن الأمهات
فحضْن الأمّ مدرسة تسامتْ
بتربيةِ البنين أو البنات
واخلاقُ الوليدِ تقاس حسناً
باخلاق النساءِ الوالداتِ
وليس ربيبُ عاليةِ المزايا
كمثل ربيب سافلة الصفات
وليس النبت ينبت في جنانٍ
كمثل النبت ينبت في الفَلاة
فيا صدرَ الفتاةِ رحبت صدراً
فأنت مَقرُّ أسنى العاطفات
نراك إذا ضممتَ الطفل لوْحا
يفوق جميع الواح الحياة
اذا استند الوليد عليك لاحت
تصاوير الحنان مصورات
لأخلاق الصبى بكُّ انعكاس
كما انعكس الخيالُ على المِراة
وما ضَرَبانُ قلبك غير درس
لتلقين الخصال الفاضلات
فأوِّل درس تهذيب السجايا
يكون عليك يا صدر الفتاة
فكيف نظنُّ بالأبناء خيراً
اذا نشأوا بحضن الجاهلات
وهل يُرجَى لأطفالِ كمال
اذا ارتضعوا ثديّ الناقصات
فما للأمهات جهلن حتى
أتَيْن بكل طيَّاش الحصاة
حَنوْنَ على الرضيع بغير علم
فضاع حنوّ تلك المرضعات
أأمُّ المؤْمنين إليك نشكو
مصيبتنا بجهل المؤمنات
فتلك مصيبة يا أمُّ منها
«نَكاد نغصُّ بالماءِ الفراتِ»
تخذنا بعدك العادات ديناً
فأشقى المسلمون المسلمات
فقد سلكوا بهنَّ سبيلَ خُسرٍ
وصدّوهنَّ عن سبل الحياة
بحيث لزِمْن قعرَ البيت حتى
نزلنَ به بمنزلة الأدَاة
وعدّوهن اضعف من ذباب
بلا جنح وأهون من شذاة
وقالوا شرعة الاسلام تقضي
بتفضيل «الذين على اللواتي»
وقالوا إن معنى العلم شيء
تضيق به الصدور الغانيات
وقالوا الجاهلات أعفُّ نَفساً
عن الفحشا من المتعلمات
لقد كذبوا على الاسلام كذباً
تزول الشمُّ منهُ مُزَلزَلات
اليس العلم في الاسلام فرضاً
على ابنائه وعلى البنات
وكانت أمنا في العلم بحراً
تحل لسائليها المشكلات
وعلمها النبيُّ اجلَّ علمٍ
فكانت من اجلّ العالمات
لذا قال ارجِعُوا أبداً إليها
بثلثيْ دينكم ذي البينات
وكان العلم تلقيناً فأمْسى
يحصل بانتياب المدرسات
وبالتقرير من كتب ضخام
وبالقلم الممَدِّ من الدواة
ألم نر في الحسان الغيد قبلاً
أوانسَ كاتبات شاعرات
وقد كانت نساء القوم قدماً
يرُحْنَ إلى الحروب مع الغزاة
يكنَّ لهم على الأعداء عونا
ويضمِدن الجروح الداميات
وكم منهن من أسِرَت وذاقت
عذاب الهُون في أسر العُداة
فما ذا اليوم ضرّ لو التفتنا
الى اسلافنا بعض التفات
فهم ساروا بنهج هُدى وسرنا
بمنهاج التفرق والشتات
نرى جهل الفتاة لها عفافاً
كأن الجهل حصن للفتاة
ونحتقر الحلائلَ لا لجرمٍ
فنؤذيهنَّ انواعَ الاذاةِ
ونلزمهن قعر البيت قهرا
ونحسبهن فيه من الهَنات
لئن وأدوا البنات فقد قبرنا
جميع نسائنا قبل الممات
حجبناهن عن طَلب المعالي
فعشن بجهلهنَّ مهتلكات
ولو عَدمت طباع القوم لؤما
لما غدت النساء محجبات
وتهذيب الرجال أجل شرط
لجعل نسائهم مُتهذبات
وما ضر العفيفة كشفُ وجه
بدا بين الأعفّاء الأباة
فِدى لخلائق الأعراب نفسي
وإن وُصفوا لدينا بالجُفاة
فكم برزت بحيهم الغواني
حواسر غير ما متريبات
وكم خشف بمربعهم وظبي
يَمرُّ مع الجداية والمهاة