انتقل إلى المحتوى

هل الحرب إلا أن تطير الجماجم

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

هل الحرب إلا أن تطير الجماجم

​هل الحرب إلا أن تطير الجماجم​ المؤلف أحمد محرم


هل الحرب إلا أن تطير الجماجم
أم البأس إلا ما تجيء الضراغم
بأي سلاح يطلب النصر هالكٌ
سلاح المنايا قاصفٌ منه قاصم
لواآه في الهيجاء جبنٌ منكبٌ
به عن سبيليها ورعب ملازم
يرى النصرات البيض يلمعن دونه
وليس له منهن إلا الهزائم
رمى نفسه في جوف دهياء أطبقت
عليه فأمسى وهو خزيان نادم
وما الحتف إلا نزوةٌ من مخدعٍ
تمادت به أوهامه والمزاعم
رويداً بني روما فللحرب فتيةٌ
تهيج الظبى أطرابهم واللهاذم
إذا نفروا لم ينفروا عن شمالها
ولم يصحروا عن سيلها وهو عارم
بنوها الألى لا يرهبون بها الردى
إذا اهتزمت في حافتيها الزمازم
معمون فيها مخولون إذا اعتزوا
نمتهم قريشٌ في الحفاظ وهاشم
وشوسٌ شداد البأس من آل يافثٍ
تخوض دم الأبطال والبأس جاحم
لهم كل يومٍ غارةٌ تصبح العدى
وأخرى تضيء الليل والليل فاحم
إذا أقدموا لم يثنهم عن مغارهم
غداة الوغى أهوالها والمآزم
أولئك أبطال الخلافة تحتمي
بأسيافهم إن داهمتها العظائم
هم المانعوها أن يقسم فيئها
وأن تستبى بيضاتها والمحارم
دعائمها الطولى وآطامها العلى
إذا أسلمت آطام أخرى الدعائم
وما الملك إلا ما أطالت وأثلث
طوال العوالي والرقاق الصوارم
لقد خاب من ظن الأساطيل عدةً
تقيه الردى إن قام للحرب قائم
ألست ترى ذؤبان روما ومالهم
من الحتف في بطحاء برقة عاصم
إذا استصرخوا أسطولهم لم يكن لهم
من النصر إلا أن تثور الدمادم
تناءى به الأمواج آناً وتدني
ويجري حفافيه الردى المتلاطم
ففي البحر مذعورٌ وفي البر طائحٌ
وما منهما إلا على الحرب ناقم
رجوا من لدنا السلم إذ فات حينه
وإن الذي يرجو المحال لواهم
أبوا أن يكف المشرفيات حلمها
أفالآن لما استجهلتها الملاحم
أسلماً وفي البيداء عاوٍ من الطوى
وفي الجو عافٍ يطلب القوم حائم
علينا لكل ذمةٌ لا تضيعها
وعهدٌ على ما يحدث الدهر دائم
تواصوا به الآباء حتى إذا مضوا
توارثه منا الأباة القماقم
وما عاب عهد العرب في الناس عائبٌ
ولا لامهم يوماً على الغدر لائم
ولا جاورتهم منذ كانوا مسبةٌ
ولا فارقتهم منذ حلوا المكارم
هم الناس لا ما تنكر العين من قذىً
وتوشك أن تنشق منه الحيازم
أرى أمماً فوضى يسوس أمورهم
مسيمٌ بأطراف الدياميم هائم
له جهلات يرتمين به سدىً
كذى أولقٍ لم تغن عنه التمائم
ألا إن بالبيض الخفاف لغلةً
وإن بنا ما لا يطيق المكاتم
رفعنا لواء السلم براً ورحمةً
وقلنا يسوى الأمر والسيف نائم
فما هابنا من جيرة السوء هائبٌ
ولا سامنا غير الهضيمة سائم
أرى القوم أحيوا سنة الظلم والأذى
فقامت بهم آثارها والمعالم
وأصبح ما سن الهداة وما بنوا
تعاوره تلك الأكف الهوادم
سماعاً بني الحق المضاع فإنني
لأطمع أن يعطي السوية ظالم
وما هي إلا غضبةٌ فانطلاقةٌ
فوثبة ضارٍ تتقيه الضياغم
أنذعن للباغي ونعطيه حكمه
وفي الترك مقدامٌ وفي العرب حازم
هما أخوا العز الذي دون شأوه
تخر الصياصي خشعاً والمخارم
أقمنا على عهدي وفاءٍ وألفةٍ
فما بيننا قالٍ ولا ثم صارم
على طول ما قال الوشاة وخببت
حقود الأعادي بيننا والسخائم
وكيف نطيع العاذلين وترتقي
إلينا وشايات العدى والنمائم
أنصدع ركن الدهر من بعد مارسا
وقرت أواسيه بنا والقوائم
فأين الوصايا والمواثيق جمةً
وأين القوى مشدودةً والعزائم
وأين النهى موفورةً لا يزيغها
من الأمل المكذوب ما ظن حالم
ألا إن من شق العصا لمذممٌ
وإن الذي يبغي الفساد لآثم
ومن كان يأبى أن يوالي إمامه
طواعيةً والاه والأنف راغم
يعلم من خان الخليفة أنه
مواقع أمرٍ شره متفاقم
أطاع هواه واستزلته فتنةٌ
عضوصٌ تلوى في لهاها الأراقم
له الويل ماذا هاج من نزواته
فثار يرامي ربه ويراجم
أيطلب ملكاً أم يريد خلافةً
تقام لها في المشعرين المواسم
تباركت ربي كيف يعصيك مسلمٌ
فيوقع بالإسلام ما أنت عالم
تباركت إن المسلمين كما ترى
تفاريق منها مستطير ورازم
فيا رب بالبيت العتيق وما ثوى
بيثرب من قبرٍ له الروح خادم
تول شعوب المسلمين برحمةٍ
تؤلف فيما بينهم وتلائم
أيرضيك ربي أن يقادوا لحتفهم
قياد الأسارى أوثقتها الأداهم
ولولا ذماءٌ من حياةٍ ذميمةٍ
لقامت علينا في البلاد المآتم
ولولا إباءٌ من رجالٍ أعزةٍ
إذن وطئت منا الجباه المناسم
وضاعت بلاد نام عنها ولاتها
إلى أن تولاها المغير المهاجم
أقام يصاديهم وظل ملاوةً
يراودهم عن عقرها ويساوم
فقالوا يمين الله نسلم أرضنا
ولما تزل أنجادها والتهائم
وإنا لنأبى أن يحارب قومنا
عدو وفينا ما حيينا مسالم
وجاشوا إلينا بالقواضب والقنا
سراعاً كما جاشت بحورٌ خضارم
أولئك جند الله هل من مغالبٍ
وفيلقه الغازي فأين المقاوم
لهم من فنون الحرب ما تجهل العدى
وتعرفهم أسلابهم والغنائم
وقائع يمشي النصر في جنباتها
وسرب المنايا والنسور القشاعم
وللصدمة الكبرى قريبٌ وإنها
لتلك التي يزور عنها المصادم
لئن هد بأس الباسلين من العدى
فإن كبير الباسلين لقادم
سيحيى رجاء المشرقين وتشتفي
على يده منا النفوس الحوائم
لنعم الشهاب المستضاء بنوره
إذا اسود من ليل الحوادث قاتم
ونعم فتى الجلى إذا ما توثبت
وأمسى الفتى من دونها وهو جاثم
سلام عليه يوم يسمو إلى الوغى
يهز لواء النصر والنصر باسم
ويوم يعيد السيف في الغمد ما به
فلولٌ ولكن أعوزته الجماجم